البريد يسبق الجميع نحو التخصيص





..










.



عبدالعزيز بن عبدالله الرشيد

منذ أن صدر قرار مجلس الوزراء عام 1423 القاضي بالموافقة على تنظيم مؤسسة البريد السعودي؛ حيث نص هذا التنظيم على تشغيل مرافق البريد وفق أسس تجارية؛ ليتم تخصيصه في مرحلة لاحقة، والجميع يلحظ السعي الحثيث لهذا الجهاز نحو اتخاذ خطوات جريئة لتحقيق هذه المطالب التي تركزت في زيادة مشاركة القطاع الخاص في مزاولة الخدمات البريدية تمهيداً للتخصص الكامل للقطاع مستقبلاً. ومن المعلوم أنه قد بدأت مشاركة هذا القطاع منذ عام 1417 بإحداث خدمات القبول الخاصة (الوكالات البريدية) التي تديرها مؤسسات وأفراد وشركات من القطاع الخاص، وعلى أن هذه التجربة برأيي لم يكتب لها النجاح الكامل وذلك نتيجة عدم التزام تلك المؤسسات والأفراد بجميع شروط المؤسسة، وعلى أن هذه الخطوة في مجال مشاركة القطاع الخاص لم تكن من نتاج الإدارة الحالية للمؤسسة إلا أنهم من المؤكد يدركون هذا الأمر ويسعون إلى محاولة دمج هذه المؤسسات والشركات والأفراد الذين يعملون في مجال (الوكالات البريدية) في شركة واحدة تكون مؤسسة البريد السعودي شريكة بها؛ وذلك لتنظيمها وفق أسس علمية مدروسة لتواكب هذه الطفرة المشهودة للبريد.

ولعل المراقب المنصف يشيد بخطوات البريد نحو التخصيص مقارنة مع قطاعات حكومية أخرى أقل تعقداً من هذا الجهاز الذي يعد من أقدم أجهزة الدولة إن لم يكن الأقدم بالفعل، وأقل تماساً مع المواطن في الخدمات شبه اليومية؛ فنجد أن مؤسسة البريد السعودي قامت في السنوات الثلاث الأخيرة بإسناد تنفيذ مشروع صناديق خدمة (واصل) إلى تحالفات أو اتحادات من شركات وطنية تستثمر في هذه الصناديق مدة معينة، كما أنها أسندت مهمة نقل البريد السطحي والطواف إلى شركة تم تأسيسها بمشاركة شركة وطنية متخصصة إلى جانب مؤسسة البريد السعودي (شركة ناقل).

كما أن البريد السعودي كما يحب منسوبوه أن يسمى؛ حيث إنهم يعتبرون اسم (مؤسسة البريد السعودي) اسماً طويلاً وليس تجارياً، وهم الذين يسعون لتوطئة الجميع إلى القبول بهم على أسس تجارية تنافسية، قام بإسناد خدمات البريد الدعائي إلى شركة على أن يتم مقاسمة المردود المالي بينهما (شركة شاهر)، وكذلك قام بإنجاز خطوة متميزة حينما فصل قطاع البريد الممتاز والطرود وأحدث إدارة عامة خاصة بها تحت إشراف مجلس إدارة مستقل ليعطي هذا القطاع المرونة المطلوبة لمنافسة العديد من الشركات العالمية المتخصصة التي لها باع طويل في مجال البريد السريع، وقد استطاع البريد الممتاز أخذ حصة جيدة من هذه السوق بعروضه التنافسية المدروسة.

إن من خطوات البريد السعودي أيضاً نحو التخصيص العمل على تفعيل خدمة جبارة هي من صلب عمله، منحت صلاحيتها له منذ تأسيسه بموجب مراسيم ملكية وظلت حبيسة الأدراج سنوات طويلة، والآن توشك هذه الخدمة أن ترى النور قريباً ألا وهي خدمة (الحوالات المالية)؛ فالمملكة العربية السعودية هي ثاني دولة بعد الولايات المتحدة الأمريكية في الحوالات المالية، وأكبر نسبة من هذه الحوالات تتم عن طريق العمالة الوافدة، وهي الفئة المستهدفة من قبل البريد السعودي؛ حيث إنها مبرمجة أصلاً على التحويل عن طريق البريد في بلدانها، وسيكون ذلك أسهل لها حينما تحول عن طريق البريد من مكان عملها في أي منطقة على خارطة المملكة العربية السعودية التي ينتشر بها البريد في أكثر من ستمائة منفذ.. فلنترك لخيالنا العنان ونتخيل كم من الموارد المالية ستتحقق للبريد السعودي من هذه الخدمة خصوصاً إذا علمنا أن أكبر بنك على الإطلاق في العالم هو (بنك البريد الياباني).

إنّ اليوم الذي سيصبح فيه سهم البريد السعودي من أهم الأسهم المتداولة في سوق الأسهم أصبح وشيكاً.. نعم بدأ البريد السعودي متأخراً.. ولكنه سبق الجميع.