السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

البريد الخاص والسرعة السعودية
د. هتون أجواد الفاسي - كاتبة ومؤرخة سعودية 10/04/1427هـ

أجد أنه قد أزف موضوع البريد، سواء البريد الحكومي أو الخاص، الذي يرتع على مزاجه في السعودية فارضاً قوانينه الخاصة التي لم ينزل أحد بها من سلطان، وذلك مع ورود طرد بريدي في خدمة بريدية خاصة تنقل في 24 ساعة، بعد مرور أسبوعين.
إنه من المستغرب أن أداء الخدمات سواء كانت بريدية أو غيرها التي عادة ما ينتمي الخاص منها إلى شركات عالمية معروفة عندما تصل عندنا تقف وتتحول إلى خدمة تحمل كل سلبيات الخدمة الحكومية التي نهرب منها، عدم إتقان، بيروقراطية، عدم ضمان وعدم حرفية. وغني عن الذكر أهمية البريد في عالمنا المعاصر، ربما أن البريد الإلكتروني قد أخذ منه بعض الرونق لكن مازال بريد الطرود والبريد السريع ذا أهمية قصوى مع اتساع دائرة الأعمال والاتصالات والالتزامات المختلفة، فضلاً عن أعداد المقيمين الكبيرة التي لا غنى لها عن هذه الخدمة بكل سلبياتها.
لدي هنا أكثر من قضية يمكن تقسيمها إلى ثلاث، البريد السريع الخاص، والبريد الممتاز العام وخدمة البريد الجديدة واصل.
فلنر القضية الأولى. لقد دخلت إلى المملكة منذ بداية التسعينيات شركة واحدة للبريد السريع، أو خدمة 24 ساعة وهي الـ "دي إتش إل"، ثم ما لبثت أن امتدت إلى أكثر من شركة من الشركات العالمية المعروفة بجودة خدماتها، على الأقل في بلدانها وبقية بلدان العالم المتقدمة. ولا أدري ما مشكلة هذه الشركات عندما تصل بلادنا فتنتكس. فهذه شركة الدي إتش إل DHL التي من المفترض أن توصل الرسالة أو الطرد في خلال 24 ساعة، تستغرق في إحدى المرات مدة أسبوعين ولا تصلني إرسالية من جنيف (برقم 4404667094) وإنما تصل شخصاً آخر يتشابه اسمه من الاسم الأخير المكتوب على المظروف. وتساؤلي هو كيف يحدث هذا الالتباس وأصلاً خدمة الـ "دي إتش إل" تقوم على الاتصال بالهاتف على الفور وليس الاعتماد على قائمة من الأسماء أو حتى على صندوق البريد، فلم يحدث هذا الاتصال من الشركة وإنما حدث من الشخص الآخر الذي وصلته الرسالة خطأ فلجأ إلى رقم الجوّال المسجل على الظرف واتصل بنا. واستغرق هذا الأمر أسبوعين تماماً من جنيف إلى الرياض.
ومن الطريف أن هذه الشركة وغيرها من الشركات الخاصة لا تعمل سوى أربعة أيام في الأسبوع، فهي تحذف أيام العطل الأسبوعية السعودية والغربية فلا تعمل بالتالي إلا الأيام من الإثنين إلى الأربعاء، وهذا ما تعلمك به إن كنت تنتظر بطاقة ائتمانية في أحد البلدان الأوروبية وصادف أن طلبتها يوم أربعاء في نهاية النهار أو يوم الخميس، فسوف تتحول خدمة 24 ساعة إلى خدمة 96 ساعة على أفضل تقدير.
ومشكلة التقصير لا تقتصر على شركة واحدة فحسب وإنما هي كما يبدو خاصية مرتبطة بالشركات التي تعمل في السعودية، فهذه شركة اليو بي إس UPS الشهيرة، دخلت سوق المملكة على ما أعتقد في نهاية التسعينيات أو أول الألفية وكانت في غاية الإتقان، ثم ما لبثت شيئاً فشيئاً حتى امتدت عدوى الإهمال إليها وتحولت إلى إحدى الشركات المحلية بمشكلاتها غير المهنية، فعلى الرغم من أن خدمة هذه الشركة أن توصل البريد إلى المنزل سواء بالاتصال أو بمعرفة عنوان المسكن، إلا أن موظفي الشركة غدوا يتصلون بي ليطلبوا إرسال سائقي إلى أحد فروعهم، هذا على الرغم من أنهم يتسلمون رسومهم العالية مقابل الخدمة المباشرة التي تصل المنزل. ولم تكن هذه حالة فردية وإنما تكررت كثيراً مع هذه الشركة التي غالباً ما تجري اتصالها بعد تكليفها بالمهمة وإرسال الخطاب بعدة أيام.
أما البريد السعودي فقد أدخل خدمة البريد الممتاز التي يطلقون عليها اسم EMS التي تقوم على أساس تأمين السرعة في الوصول، تأمين الرسائل وضمانها مع إمكانية تتبعها وفق الرقم المدرج عليها. وهذه المعلومات لا تجدها على موقعهم الإلكتروني ولكن ينبغي الاتصال بأحد الموظفين أو الموظفات لإعلامك. ومن مميزاتها كما ذكرت سرعة الإيصال، ففي داخل المملكة تصل إلى الشخص المرسل إليه خلال 24 ساعة وفق هاتفه المرفق. ووفق تجربة شخصية فإن إرسالية مرسلة من جدة إلى الرياض (رقم EE1328611106SA) استغرقت أسبوعين لتصلني. فقد اتصل بي موظف بريد يعلمني بأنها وصلت، دون أن يسأل أين عنواني لإرسالها، وصادف أن سائقي كان يمر بالبريد ذلك اليوم فطلبت من الشخص أن يترك الطرد أو بطاقته في صندوق بريدي. وصل السائق ولم يجد شيئاً، ذهب إلى مكاتب الرسائل الخاصة والطرود دون جدوى. حاولت الاتصال به ثانية فكان رقم سنترال وهو لم يعطني اسمه الكامل. لم يصلني الطرد إلا بعد أسبوعين وبعد عودة السائق ثانية وثالثة إلى البريد يستعلم عن البريد الممتاز. وصل أخيراً دون أن أجد على بطاقة المتابعة اسم أي موظف أو أي تفاصيل مفيدة مملوءة. وهنا كما نرى أن المبلغ المضاف إلى هذه الخدمة قد انتفى الغرض منه، أما رقم المتابعة فلم يكن له أي داع لأن موظف البريد الممتاز لم يعطني إياه من الأساس، فضلاً عن تزويدي باسمه الكامل ورقم الاتصال.

ونظراً لأن من يدفع ثمن الإرسالية هي عادة الجهة المرسِلة فإن المُرسَل إليه غالباً لا يسعى إلى مقاضاة الشركة أو طلب التعويض المناسب والمفروض له، وهذا ما يجعل العديد من هذه الشركات الخاصة والحكومية تمرر تقصيرها دون عقوبة أو تعويض. كما تستفيد هذه الشركات في بلادنا من خلوها من منظمات المجتمع المدني كجمعيات حقوق مستهلك أهلية يمكنها أن تتابع حقوق هؤلاء الأفراد، فينحدر مستواها دون أن تخشى أي عاقبة.
يبدو أن الاستطراد أخذ مني كل مأخذ على حساب قضية "واصل" وقضايا أخرى مرتبطة بالبريد السعودي التي سوف أتركها للعدد المقبل.

جريدة الاقتصادية 10/4/1427هـ
http://www.aleqtisadiah.com/article.php?do=show&id=1942


ودمتم سالمين