مقال يستحق القراءة حتى النهاية
عايض القرني
ينبغي للرجل أن يكون واقعياً في اختياره لزوجته، فلا يذهب ‏وراء الخيال والمثاليات في البحث عن الزوجة التي تسعده، ‏فإن بعض الناس يشترط في الزوجة شروطاً كشروط المجتهد ‏المطلق عند الأحناف، فيريد زوجةً في حسن يوسف وعفاف ‏مريم وصوت داود، وتكون على حد قول الأعشى: ‏
‏* غَرّاءُ فَرعاءُ مَصقولٌ عَوارِضُها ‏
‏ تَمشي الهُوَينا كَما يَمشي الوَجي الوَحِلُ ‏
‏* كَأَنَّ مِشيَتَها مِن بَيتِ جارَتِها ‏
‏ مَـرُّ السَـحابَةِ لا رَيـثٌ وَلا عَـجَلُ. ‏
أما وجهها وشعرها فعلى حد قول صديقي أبي الطيب: ‏
‏* كَشَفَت ثَلاثَ ذَوائِبٍ مِن شَعرِها ‏
‏ في لَيلَةٍ فَأَرَت لَيالِيَ أَربَعـا ‏
‏* وَاستَقبَلَت قَمَرَ السَماءِ بِوَجهِهـا ‏
‏ فَأَرَتنِيَ القَمَرَينِ في وَقتٍ مَعا. ‏
وهذه الأوصاف لا تنطبق إلا على إحدى الحور العين في ‏جنّات النعيم، بينما هو قد يكون أحمق من هبنّقة وأبخل من ‏مادر وأغبى من باقل وأجبن من أبي حيّة النميري. وعلى ‏المرأة أن تكون واقعية في اختيار الزوج ولا تهيم مع الخيال ‏المجنّح في اختيار شريك حياتها، فبعضهن متشدِّدة موسوسة ‏في شروطها التي يتصف بها الزوج، فتريده على حد قول أبي ‏تمام: إِقدامَ عَمرٍو في سَماحَةِ حاتِمٍ في حِلمِ أَحنَفَ في ذَكاءِ ‏إِياس في زهد الحسن البصري وفِقْه أبي حنيفة وحفظ ‏الأصمعي، بينما هي قد تكون آية في الغباء ومضرب المثل في ‏ثقالة الدم وقمة في سوء الخُلُق، لماذا لا نعيش واقعنا ونرضى ‏بما تيسَّر؟ وإذا حصل خلاف بين الزوجين فهناك وصفة ‏سحرية اكُتشفت في الأخير على يد أحد خبراء علم التربية بعد ‏بحث طويل وسهر مضنٍ، وهي أن يجلس الزوجان بعد كل ‏مشكلة جلسة مصارحة ومكاشفة تسمى جلسة (فضفضة) ‏يشترط فيها ألا يشاهد الزوجان التلفزيون ولا يشتغلان بالقراءة ‏ولا بالنظر إلى الحديقة، وإنما ينصت كل واحد منهما للآخر، ‏فيبدأ أحدهما بالحديث حتى يخرج كل ما في جعبته وينصت ‏الآخر ولا يقاطع، فإذا انتهى المتكلم قال المستمع: هذا كلام ‏جميل وأنا موافق عليه وآسف على كل خطأ، ولا يحاول ان ‏يعترض على أي كلمة سمعها أو يرد عليها، بعدها سوف ‏تتحوّل الجلسة إلى مصالحة ومسامحة، لأن 90% من مشاكل ‏الزوجين صغيرة وتافهة أو (كلام فاضي) فهي عن تأخر ‏الزوج عن البيت أو انشغال جواله أو كثرة ضيوفه أو عدم ‏مدحه لطعامها أو لأنه لم ينظر للزوجة بإعجاب عند دخول ‏البيت، أو أن الزوجة أخَّرت الطعام، أو لم ترتب الملابس أو ‏نسيت المناشف أو أن الشاي بارد أو أن ملح الطعام زائد قليلا، ‏وهذه المشاكل العالمية الكبرى تحتاج إلى جلسة طارئة فيها ‏فضفضة، ولا يتخذ فيها أي قرار، إنما إنصات وحسن استماع ‏وهزّ رأس بالموافقة وبعدها تعود الحياة أجمل ما تكون، أرجو ‏أن لا يكثر الزوجان من الجدل العقيم والمناقشات والحرص ‏على الردود فهذه لا تزيد النار إلا اشتعالا، قيل لأحد الحُكَماء ‏كيف تعالج المشكلة مع زوجتك؟ قال: أنصت لها حتى تقول ‏كل ما لديها، ثم أوافق على كلامها واعترف بالتقصير ‏والخطأ، فتبدأ هي تبحث لي عن أعذار، ولو ذهب الرجل يرد ‏على زوجته ويغلّطها لرفعت صوتها وسبَّتهُ، ثم كذَّبها، حينها ‏تشتمه ثم يضربها فتقوم فتلطمه فيطلقها حالا ويُهدم البيت، إذاً ‏المشكلات الزوجية سهلة في الغالب، بل تافهة إنما تحتاج إلى ‏واقعية وفضفضة وسعة بال واعتراف بالخطأ وعدم الحرص ‏دائماً على أن يثبت أحد الزوجين للآخر أنه على حق وسوف ‏يصلح الحال، ويُشرح البال، ويزول الإشكال، وينتهي القيل ‏والقال، وعلى الرجل أن يستعمل المجاملة مع زوجته، فإذا ‏نظر إليها وهي معبِّسة مقطِّبة أسمعها قول الشريف الرضي: ‏
‏* يا ظَبيَةَ البانِ تَرعى في خَمائِلِهِ ‏
‏ لِيَهنَكِ اليَومَ أَنَّ القَلبَ مَرعاكِ. ‏
وإذا ذكرت له امرأةً أخرى جاملها وهوَّن من شأن الأخرى، ‏وقال كما قال شاعر الزُّلْفي ابن عويس: ‏
‏* الزّين ما ودَّك تحطَّه مع الشِّين ‏
‏ ودَّك تخلي كل شيٍّ لحالَهْ. ‏
وعليها أن تجامله فإذا رأتهُ نائماً وله شخير قالت: ‏
‏* يا ذيب يالّلي جرَّ صوتٍ عوى بهْ ‏
‏ هو ذا هوى والاّ من الجوعْ ياذيبْ. ‏
وإذا كحَّ وتنحنح فعليها أن تقول: ‏
‏* بِاللَهِ لَفظكَ هذا سالَ من عسلٍ ‏
‏ َم قَد صَبَبتَ على أَفواهِنا عَسَلا. ‏
‏ وعلى الزوج أن يمدح الشاي والمكسرات ويثني على ‏الصحون والملاعق وينظر بإعجاب إلى زوجته ويرفع يديه ‏فيحمد الله على أن رزقه بها وهو يتمنّى في نفسه أن تموت في ‏أقرب وقت، وعلى الزوجة أن تنظر بإعجاب إلى وجه زوجها ‏العبوس القمطرير وتقول له قول أبي الطيب: ‏
‏* خَفِ اللَهَ وَاِستُر ذا الجَمالَ بِبُرقُعٍ ‏
‏ فَإِن لُحتَ ذابَت في الخُدورِ العَواتِقُ. ‏
وهو يبادلها النظر إلى وجهها المكفّهر ويقول: ‏
‏* تبدَّتْ لنا كالشمس تحتَ غمامةٍ ‏
‏ بدا حاجبٌ منها وضنَّتْ بحاجبِ. ‏
والمقصود استعمال الدبلوماسية والمجاملة (ومشّوا الأمور) ‏وأصلا الحياة قصيرة جداً.‏
‎ ‎