شعب الزئبق الأحمر !

كتبها..صالح جريبيع الزهراني

منذ أيام مساهمات سوا وأكياس الأموال التي كان البعض يكتب عليها اسمه ويرمي بها من فوق الأسوار لتقع في (حوش) المستثمر العظيم.
وسوق الأسهم التي باع الرجل فيها منزله وباعت المرأة (بناجرها) ليصبحوا مستثمرين ومضاربين(قد الدنيا) في سوق يخسر فيها حتى عتاولة الاقتصاديين.
مروراً بمطاردة مكائن الخياطة لاستخراج خرافة الزئبق الأحمر من أحشائها والجني الأزرق من أعطافها.
وانطلاقاً إلى التيس الحلوب المبارك وغيره من المباركين الذين نتدافع إليهم لندفع لهم (الدراهم) مقابل الحليب والزيت المقروء عليه والنفثات المخلوطة بفيروس الكبد الوبائي.
وتعريجاً على أخيه النجم الكبير الفحل المظفر الذي ذابت فيه العنزات عشقاً وبلغ سعر عشق العنزات له نصف مليون ريال.
ركوباً على ناقة آخر موديل وبأحدث المواصفات من فئة أم رقيبة والتي يزيد سعرها عن (سعر) عشرة رجال مسلمين عاقلين بالغين.
وصولاً إلى المليارات التي تم تفريغها من حسابات رجال الأعمال الأذكياء وطارت إلى حسابات خارجية لرجل أعمال أشد منهم ذكاءً.
وانتهاءً بصفوف(الأول الابتدائي)التي رأيناها مؤخراً عند مقصف إحدى البقالات الكبيرة.
وبالإشارة إلى كل ما سبق.
فإنني أقول بكل ثقة..نحن لسنا متخلفين ولا أغبياء ولا سذّج أبداً..وإنما أصبحت لدي قناعة راسخة بأننا..ولا حول ولا قوة إلا بالله..(شعب مسحور)..نعم..نحن شعب مسحور ويجب أن نستقدم راقياً لكل مواطن.
إذا لا يعقل أن تمرَّ حيل النصابين البسيطة مرة تلو الأخرى على أستاذ الجامعة والطبيب والمهندس والمعلم والموظف ورجل الأعمال (والقحم والكهلة) في البيت.
ولا يعقل أن نرى كل هؤلاء يتراكضون في الصحراء ويسيرون مسافات شاسعة على أرجلهم في لهيب الشمس من أجل الوقوف خلف ناقة وزفها إلى مقر مسابقة جمال الإبل التي تختار أرق وأندى وأبهى وأحلى ناقة في الكون..أو نراهم يتسابقون على شراء تيس أو رقم جوال مميز أو رقم لوحة سيارة مميز بملايين الريالات.
ولا يعقل أن نرى كل أولئك وهم يتدافعون كالمساجين الجياع المحكوم عليهم بالإعدام عند إطلاق سراحهم من أجل إعلان (بقالة) عن تخفيضات.
لا يعقل أن يكون هذا الشعب العظيم لا يقرأ ولا يفهم أنه مستغل من التجار منذ سنين..وأن كل التخفيضات الصادقة والوهمية ما هي إلا تخفيض من المكسب وليس من رأس المال..وأنها أكبر دليل على أن التاجر كان (يلهف) منا مكاسب خيالية تصل في بعض السلع إلى ألف في المائة.

لا يعقل أن يكون هذا الشعب العظيم لا يدرك أن الشركات لا تلجأ إلى التخفيض إلا عند الركود وتكدس بضائعها في المخازن..أو قرب انتهاء صلاحيتها..أو عند تصفية أعمالها..وإلا فإنها ليست مرغمة للتنازل عن أرباحها لوجه الله أو لعيون الزبون.

مستحيل أن هذا الشعب العظيم لا يدرك أن التاجر سيلجأ إلى كل حيلة ممكنة لتصريف بضاعته حتى لو كان ببيعها فاسدة وتغيير تاريخ انتهاء صلاحيتها..ولا أصدق أن هذا الشعب النبيه سيشتري سموماً تدخل بطنه وبطون أبنائه ولا ينتبه أو يدقق في تاريخ الصلاحية أو مستوى النظافة.

لا يمكن أن أصدق بأن هذا الشعب الذكي العظيم لا يدرك أن بعض أجهزة الرقابة عندنا (راقدة) وأن المواطن متروك (هو وجهده)..وأن بعض المراقبين عندنا يتقاضون راتبين..أحدهما من الدولة والآخر من التجار مقابل (زحلقة) كل (البلاوي) وغض الطرف عنها.

غير معقول أن شعبنا الواعي العظيم لا يدرك الظروف الاقتصادية التي يمر بها مجتمعنا..أو أنه لا يحافظ على(قرشه الأبيض) ليومه الأسود..ويشتري كل شيء وأي شيء وبما يفيض عن حاجته بدون تفكير..وأنه لم يتخل حتى الآن عن عادة التسوق الشره..وتوزيع الدخل على الأسواق والمطاعم والمنتزهات والسفر (والهياط).

كما لا يمكن أن أصدق أن رجال أعمالنا الشرفاء وبنوكنا وشركاتنا الوطنية الإنسانية يسعيان إلى التحايل على المواطن لحلب جيبه وتوريطه بالشراء والاقتراض بأية طريقة نظامية أو غير نظامية..ولا أصدق أن هؤلاء الفضلاء متمسكون برفع الأسعار رغم معرفتهم أن ذلك يؤدي للكساد.

لا يمكن لي أن أصدق كل هذا..ولن أصدق من يصفنا بأننا متخلفون جهلاء..غير واعين..ونفتقد للتدبير والتخطيط..وأننا (ثيران) ونساءنا (بقير) وأننا (مضحكة) للأجنبي وكفيله السعودي المتستر.

لا يمكن أن أقول بكل هذا أو أصدقه أبداً..ولكنني أقول..نحن فعلاً شعب مسحور مسحور مسحور..يا ولدي..ولا بد من رقاة ينفثون في وجوهنا لننتبه ونستعيد وعينا ويبطل هذا السحر اللعين..ونعود مثل شعوب العالم.

صالح جريبيع الزهراني