يعتقد كثيرون أن أفضل طريقة لحل إشكالية القطاع العام هي تفعيل عملية تخصيص واسعة، إذ يبدو أن التخصيص هو المنقذ والهدف. أتفق في الآلية وحتى الهدف ولكن أختلف في الاستعداد والتوقيت والمرحلة. الهدف السامي، عادة للتخصيص، أن القطاع الخاص أعلى فعالية بكثير لإدارة الموارد الاقتصادية من القطاع العام. لكل من تعلم الاقتصاد في العقود القليلة الماضية أو آمن بإجماع واشنطن لإدارة الاقتصاد الكلي ومدى مركزية اقتصاديات السوق يعتبر التخصيص الطريق الأمثل عن هذا التوجه. أنا مع التخصيص ولكن ليس في السنوات القليلة القادمة على الأقل وهذا مشروط بما نأخذ من خطوات عملية استعدادا للتخصيص. هناك ثلاثة أسباب استراتيجية للتوقف عن عملية التخصيص حتى ذلك الحين حتى تتوافر شروط نجاحه. التخصيص إحدى الأدوات التي عدم نجاحها يحمل مخاطر عالية جدا، ولكن نجاحها يدفعك إلى المرحلة الأخيرة من التقدم ولذلك علينا الحذر.
السبب الأول أن توجه المملكة اليوم كما تعبر عنه "الرؤية" مالي في المقام الأول، إذ يقوم على توافر أكبر قدر من الأموال من خلال صندوق سيادي كبير يجمع بين كل أصول الحكومة وبيع (تخصيص) أجزاء منها لتوفير المال. توفير المال يعني ضمنا استمرار المصروفات العامة العالية وبالتالي يكون هدف التخصيص توفير المال لاستمرار المصروفات العالية تاريخيا. الوجه الآخر لعدم التوازن المالي أن نسبة الاستثمار منخفضة تاريخيا كنسبة من مصروفات الحكومة، ولذلك فإن تقليص دور الحكومة بسبب التخصيص يقلل فرص الحكومة في الاستثمار الرأسمالي ( لن يقوم القطاع الخاص بهذا الدور في المدى المنظور). أحد ملامح الفترة التوجه نحو استثمارات خارجية خاصة أنه سيكون صعبا في إيجاد التوازن المناسب بين الاستثمارات الداخلية والخارجية والمصروفات العامة.
السبب الثاني أن التخصيص على خلفية تنظيمية ضعيفة سيلاقي صعوبات كبيرة. عندما يتسلم القطاع الخاص الموارد الاقتصادية في ظل حوكمة ضعيفة فإن كفاءة إدارة هذه الموارد ستنخفض ولعل المراقب الحصيف للشركات الخاصة المساهمة اليوم يتعرف على البيئة النظامية والتنظيمية بسهولة. الحوكمة طريقة وأسلوب إدارة الموارد، وهذه ضعيفة، وينبع الضعف من مصادر كثيرة ولكنها في الغالب تحت عنوان ضعف الثقافة العامة في الإدارة والوعي والمسألة ومرجعيتها التنظيمية والنظامية، وهذه لا يمكن أن نتعامل معها مجتمعيا في سنوات قليلة خاصة أن مسألة "الحوكمة" ليست عنوانا مهما في الطرح الاقتصادي اليوم. تقول كرن شودري أستاذة الاقتصاد في جامعة ستانفورد إن التخصيص سيفشل دون قوة فاعلة نشطة في القطاع العام وخاصة في إدارة الموارد و حماية الحقوق والدقة في القياس ويقظة النخب.
السبب الثالث مرتبط بالسبب الأول بطريقة غير مباشرة، فحين يأتي التخصيص والدخول العامة في انخفاض يكون توزيع الثروة في المجتمع أول الضحايا وبالتالي يزيد عدم العدالة في المجتمع. تجربتا روسيا ومصر مثالان صارخان في هذا الشأن حيث انتهت أفضل الأصول لمجموعات كبيرة ومتنفذة. تفاقم سوء توزيع الثروة ينتج عنه كبح للمنافسة وتآكل للطبقة الوسطى التي هي عماد المجتمع السليم وبذلك يصبح التخصيص أحد أسباب تفاقم التآكل المجتمعي.
المفاضلة الاقتصادية ترجح بوضوح محدودية المصلحة من برنامج تخصيص موسع. عمود الخيمة الاستراتيجي في المملكة هو تسهيل التحول الاقتصادي بالتوظيف الأمثل لعوائد النفط ولذلك هناك استعجال قد يفشل النوايا الطيبة والخطط المكلفة. الاهتمام بالتخصيص يبعدنا عن المسائل الملحة مثل إدارة الاقتصاد الجزئي وحيثياتها الأصعب، حوكمة الشركات من خلال المنافسة وتفعيل أقوى للهيئات الرقابية والترابط الرأسي في الاقتصاد. وأخيرا يصعب التخصيص دون تحول جوهري في سوق العمل السعودية حيث يستطيع المواطن المشاركة الفاعلة مع تراكم المعرفة، ورفع الإنتاجية، وبالتالي الحصول على الدخل المرادف اقتصاديا.

فواز بن حمد الفواز