تعاني المجتمعات العربية مرضا يبدو أنه وراثي مستوطن، ينتقل من جيل إلى جيل، ويصعب اجتثاثه، ألا وهو "الواسطة" التي يصعب على الجهات المسؤولة مكافحتها، لأنها لا تترك خيوطا واضحة تدل على ممارستها في معظم الأحيان. ويدخل في سياق الواسطة توظيف الأقارب سواء في المؤسسة التي يعمل فيها المسؤول أو في مؤسسة أخرى بالتعاون مع مسؤول آخر في تلك المؤسسة، وهو ما يزيد من صعوبة الكشف عنها. ومسألة توظيف الأقارب لا تقتصر على المجتمعات النامية أو العربية، بل تحدث في جميع الدول – دون استثناء – ولكن بنسب متفاوتة. يطفو توظيف الأقارب على السطح بين حين وآخر، ولكنه أصبح موضوعا رئيسا في مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، بعد صدور القرار الحازم من الحكومة الرشيدة القاضي بالتحقيق مع أحد الوزراء، في سابقة تُعد الأولى من نوعها في المملكة. لا شك أن هذا القرار الحكيم سيترك أثرا عظيما في الحد من الفساد في توظيف الأقارب، وهذه خطوة جريئة ومناسبة لاستئصال هذا الوباء الذي انتشر في كثير من المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية منذ فترة طويلة. فهناك إدارات في بعض المؤسسات تكتظ بالأقارب، ومؤسسات أخرى يتركز فيها أبناء محافظة أو مدينة معينة، لأن المسؤول على رأسها يستقطب أقاربه وجماعته. ويرتبط ذلك بالثقافة السائدة في المجتمعات الخليجية التي تمجد "الفزعة" تمثلا بالمقولة الشعبية الدارجة: "اللي ما فيه خير لجماعته.. ما فيه خير لنفسه!". وثقافة الواسطة عموما وتوظيف الأقارب خصوصا متأصلة في عقول أفراد المجتمع، لدرجة أن بعضهم يربط الحصول على وظيفة بتوافر سبل الواسطة. لذلك يبرز السؤال في الذهن: هل من يطلقون حملات على "تويتر" يتهمون فيها المسؤولين باستغلال السلطة يتسمون – فعلا – بالنزاهة في ممارسة أعمالهم؟! أم أنها تصفية حسابات قديمة؟! بصرف النظر عن الإجابة، فإن المجتمع هو المستفيد من كشف أي تجاوزات أو إخلالات تمس النزاهة وأخلاقيات المهنة، كونها تُثير الخوف لدى الجميع من الفضيحة في مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى الوقوع في دائرة المساءلة، خاصة عندما تكون هيئة مكافحة الفساد جادة في متابعة تلك الموضوعات. ولكن التساؤل الأهم، كيف يمكن الحد من هذه الممارسات، خاصة مع زيادة الطلب على الوظائف نتيجة ارتفاع معدلات البطالة؟ الإجراءات كثيرة، منها: 1) إيجاد الأنظمة الكفيلة بإنصاف المسؤول في حالة التشويه المقصود للسمعة. 2) العناية بآليات تشكيل لجان التوظيف في كل مؤسسة، مع ضرورة أن تكون متغيرة وغير ثابتة على أشخاص محددين. 3) وضع معايير عادلة لتقييم أداء المتقدم للوظيفة في المقابلات الشخصية، للحد من استغلالها في تفضيل متقدم على آخر دون استحقاق. 4) ضرورة تحسين معايير اختيار القيادات في العمل الحكومي، بدءا بمدير الإدارة الصغيرة وانتهاء بالوزير. 5) رفع الوعي المجتمعي لتعزيز النزاهة ومنع الفساد في المؤسسات العامة والخاصة. 6) إجراء دراسات جادة لقياس مؤشر الفساد أو إدراك الفساد في المجتمع، ورصد التغير من عام إلى آخر.