أعمل مدير منطقة بريدية في أحد المناطق
أفني جهدي فيها ليل نهار
انطلق من منزلي يوميا الساعة السابعة صباحا وأصل إلى مبنى المنطقة الساعة السابعة والنصف صباحا
وأوقف سيارتي امام الباب الرئيسي وأنزل ، يستقبلني اثنين من الموظفين يوميا بالبخور ودلة القهوة العربية
ورجل الأمن يأخذ مفتاح السيارة ليوقفها في الموقف ذو المظلة
ثم اتوجه إلى المكاتب الأمامية أسلم على الموظفين وأشعرهم بوجودي في المنطقة ليزدادوا حماساً وحبا للعمل
وأتوجه إلى المصاعد للذهاب إلى مكتبي ويرافقني ثلاثة موظفين
أسلم على الموظفين في المكاتب على اليمين واليسار وأتوجه إلى مكتبي
ليقف لي السكرتير احتراما ويصب لي القهوة
واجامله مع أني شربت منذ دخولي المبنى
ثم أتوجه إلى مكتبي
أجد الجريدة والمعاملات
ثم أذن للموظفين المرافقين لي بالانصراف
وأبدأ بممارسة أعمالي بالشكل المعتاد

استمر هذا الحال لمدة ثلاث سنوات حتى صدر قرار إحالتي للتقاعد نظرا لبلوغي السن القانوني للتقاعد
وتم تكليف أحد المساعدين مؤقتاً لمدة ثلاثة شهور حتى يتم تعيين مدير منطقة بشكل رسمي
واحتفل بي بعض الموظفين والبعض الاخر لم اشاهده
وقررت بعدها السفر خارج المملكة ، وسافرت لمدة 4 شهور ، وبدون مبالغة لم يغيب البريد عن فكري وبالي
كنت أقوم متفززاً ومفزوعاً من النوم الساعة السادسة وأهرع لتجهيز نفسي للذهاب إلى العمل ، وتصدني زوجتي وتهدئ روعي بكأس من الماء لتذكرني بالحقيقة بأني الان متقاعد وليس على رأس العمل وانني اصلا خارج المملكة .
كان هذا الموقف يتكرر طيلة الأربعة شهور ويومياً ، وكان لدي الشغف والحنين للرجوع إلى الوطن للذهاب إلى ادارة البريد لأشبع شوقي وحنيني لها .
وما أن حانت ساعة العودة حيث كان الوصول لأرض الوطن الساعة الثانية ليلاً .
فوصلنا بحمد الله إلى المنزل ، واستأذنت من زوجتي للذهاب في مشوار ، وعرفت أنني اريد الذهاب إلى الادارة وأنظر إليها ولو من الخارج ،، فغضبت غضبا شديدا وقالت لي يا رجل الساعة الان الثانية بعد منتصف الليل ماذا دهاك .؟
فأومأت برأسي ودخلت للنوم ولم يأتيني النوم وقتها إلى أن أذن الفجر ، وقمت للصلاة ، وقعدت على السرير أنظر إلى الساعة السابعة متى تأتي ؟ فكل دقيقة كانت بمثابة أسبوع من القلق والانتظار .
وما أن وصلت الساعة السادسة والنصف حتى قمت وجهزت الثوب والشماغ وركبت السيارة وبدأت القيادة على مهل لكي أحضر في الوقت المناسب المعتاد . وكنت أشعر أن قلبي وصل قبل جسمي ولكني كنت أتحلى بالصبر .
وعند وصولي بوابة المبنى بدأ قلبي يخفق من الفرح .
فتوجهت للبوابة الرئيسية وأوقفت السيارة ونزلت
وتفاجأت برجل ينادي من بعيد : أنت أنت
فنظرت إليه وإلا برجل أمن ، جديد لم أكن أعرفه
فقال لي : هنا ممنوع وقف السيارة بره
فضحكت وقلت له انت موظف جديد أليس كذلك ؟
قال : ما عليك مني جديد او قديم شيل السيارة
قلت له انت تكلم مدير المنطقة السابق
قال : على راسي ولكن شيل السيارة ، هنا ممنوع
أصبحت أنظر يمينا ويسارا أبحث عن الموظفين المرافقين لي ، فلم أجد أحداً
جميع من نظرت إليه لم يكن يعمل في هذا المكان ، وكأن هناك تدوير كبير حصل في هذه الفترة .
واستمر جدالي مع رجل الأمن حتى الساعة الثامنة والنصف حتى وصلت سيارة وبدأت تصدر أصوات المنبه بشكل مستمر
قال رجل الامن : يا رجل شيل السيارة والا اتصل على المرور
ابتسمت بوجهه وسألته من الذي بالسيارة الواقفة خلف سيارتي ؟
قال : يا رجل شيل السيارة هذا مدير المنطقة
فضحكت وتوجهت له ونظرت إليه فلم أعرفه ولم يعرفني ، يبدوا أنه منقول من المؤسسة أو جديد التعيين
فعرفته بنفسي ، فعرفني من الاسم ونزل من السيارة وسلم علي وطلب من رجل الامن الابتعاد
وتفاجأت بثلاث موظفين يهرعون إلينا بدلال القهوة والبخور ، ووقفت بشكل عرضي مبتسما لهم ، ولكنهم تجاهلوني وذهبو إلى المدير الجديد بالبخور والقهوة .
أحدهم عرفني واكتفى بـ ( أبو فلان شلونك وين هالغيبة ؟ ) فقلت له : الحمد لله انا بخير
وبدأت أشعر انني كنت عائقا في وجودي معهم
فلم يصبون لي القهوة إلى بعدما طلب المدير الجديد منهم
أما البخور فلم يكن لي فيه نصيب
وطلب مني المدير الجديد مرافقته إلى مكتبه ، وفعلت
وكان يمشي مسرعا إلى منطقة المصاعد ، والمرافقين خلفه
وانا خلف الجميع اهرول
حتى وصلنا إلى مكتبه
فأعاد المدير الجديد الترحيب بي ، والسؤال عن صحتي وما هي مشاريعي بعد التقاعد
فأجبته بأنه ليس لدي شيء
كان مسيطر على تفكيري أنه يطلب مني العمل معه كمساعد او مستشار ولكن كان فكره بعيد جدا عن هذا الطلب
حتى ذكرت له ، إذا كنت تحتاج أي خدمه او استشارة انا مستعد
فقال : لا يا عم أريد دعواتك ، فالان العمل كله جديد وتقني ويحتاج افكار جديدة ، اما الافكار القديمة تعيقنا أكثر مما تفيدنا
وتشرفنا بلقائك حيث أن لدي اجتماع بعد نصف ساعة
اعتبرتها كأنها طرد بطريقة أدبيه ، وسلمت عليه وخرجت من المكتب ، وتوجهت إلى سيارتي
وتفاجأت بأن على أحد إطاراتها قفل
فبحثت عن رجل الأمن ولم أحده
ورجعت إلى المدير الجديد وتوجهت إلى مكتبه وطلب مني السكرتير الانتظار ومنعني من الدخول
وقال لي ماذا تريد يا ابو فلان
أخبرته بأن السيارة عليها قفل ولم اجد رجل الأمن
فقال لي لا تهتم ، سوف ادبر لك الامر ، وفجأة خرج مدير المنطقة من مكتبه
ومع الأسف لم يعطيني بال
وقمت إليه وأخبرته بقصة السيارة
وقال هذي المشكلة عند قسم الامن ، راجعهم ومارح يقصرون معك
واستدعى السكرتير وذهبوا إلى الاجتماع
ذهبت إلى قسم الامن وعرفني الموظف ووجدت منه ترحيب كبير ، و غضب جدا لما حصل معي ، واتصل على الموظف وتم فك القفل عن السيارة فورا
ونزلت إلى سيارتي وعدت إلى المنزل
وعند دخولي إلى المنزل كنت مبتسما ابتسامه تخفي وراءها صدمة كبيرة لما حصل معي
تسألتي زوجتي ما بك ؟
لا استطيع الرد عليها لانني اشعر وكأني في غيبوبة
يأتيني أبنائي ليعيدوا ذكريات السفر للخارج ، أبتسم لهم واهز رأسي والذهول يسيطر علي
وقررت عدم الذهاب إلى إدارة البريد مرة أخرى

والقصة تتلخص بأن الاحترام والتقدير للمناصب وليس لكيان الشخص