بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

صادق العليو :
يواجه الكثير من المسؤولين مواقف ادارية اثناء عملهم الروتيني وهذا شيء عادي ولكن ان تتكرر هذه المواقف باستمرار حتى تصبح مزعجة وتتطلب اتخاذ اجراء حازم وجذري فان هذا الشيء ليس محببا لدى المسؤولين الذين قد يتهرب بعضهم من المواجهة نفسيا لاسباب كثيرة مثلا: ضعف الشخصية وقلة الخبرة والخوف من الفشل او نقد الاخرين، مؤثرات خارجية وخلافات شخصية او عرقية او حتى دينية. ولا يوجد مقياس او دليل يعطي التوجيه الامثل في كيفية التعامل مع هذه الظروف، فكل حالة قد تكون شاذة ومنفردة بنفسها ونريد هنا ان نذكر بعض حالات المشاكل العامة التي تتكرر يوميا في حياتنا العملية ويواجهها غالبية المسؤولين والاداريين ومنها حالات تأخر حضور الموظفين او خروجهم مبكرا من العمل او التمارض والاستئذان والغياب بدون اذن والممازحة اثناء العمل والتعالي على المسؤولين، او التهرب من تنفيذ الاوامر وقلة الانتاج في العمل وفقدان الحماس واثارة الفتن وعدم التجاوب مع نظم العمل، الخ. وكل حالة من هذه الحالات تحتاج حلقة منفرد لشرحها واكيد عدة حلقات لتغطية الموضوع كله ولكنني سأختصر ما امكن وارجو ان اوفق بذلك ومنكم السماح وان اللبيب بالاشارة يفهم وسنبدأ بالحالة الاكثر انتشار وهي كثرة التأخير والانصراف المبكر.
في الحقيقة ان ظاهرة تأخير الحضور او الانصراف المبكر للموظفين تعتبر آفة العمل الاولى والتي تنخر في هيكله وتؤرق مضجع غالبية المسؤولين بمختلف مستوياتهم فلا التهديد ولا الوعيد الذي يقومون به واستخدام صلاحيات الجزاء تفيد دائما وهي غالبا ما تنتهي اما وديا بقبول الظاهرة كأمر واقع ضمن العمل والتعايش معها او بشكل مأساوي بانهاء خدمات الموظف المتسيب ولا محل للحلول الوسط ونرى بان الحل لازالة او اصلاح هذه المشكلة (ان وجدت) ممكن جدا ولكن لا يأتي بالتهديد او الجزاء المطلق بل بالتنظيم والتدرج بجعل اطراف المشكلة انفسهم جزءا من حلها تضامنيا (كحل جماعي) والاطراف المعنيين هم الموظف والمسؤول والوظيفة (العمل).
فالموظف لابد ان تكون شروط الانضباط متوافرة فيه اصلا ومتوافقة ايضا مع طبيعة عمله ولا يوجد لديه معوقات مكانية او زمانية تمنعه من الالتزام بالدوام المحدد للوظيفة (وان يؤخذ هذا التأكيد بالاعتبار اثناء مقابلته الشخصية قبل توظيفه) ومنها مثلا محل اقامته وبعده عن موقع العمل وسيلة الانتقال التي يرتادها وكيفية وصوله من والى العمل، عدم ارتباطه باعمال اخرى قبل او بعد الدوام مباشرة وعدم ارتباطه بايصال مرافقين من والى المدارس او لجهات ومواقع اخرى وان يكون متفرغا ولا يوجد لديه ظروف تؤثر على التزامه (كمرافقة احد افراد العائلة المستمرة للعلاج او غيرها من الاسباب) انسجامه مع زملائه بالعمل وعدم وجود خلافات شخصية بينهم وتكيفه بظروف العمل واخيرا ان يكون الموظف مقتنعا وراغبا بالوظيفة وليس فقط يعمل بها من اجل الحاجة للراتب ولقمة العيش (يعني ان يكون هو الموظف المناسب للوظيفة وليس مجرد فرض او تشميع من اجل سد الفراغ).
اما المسؤول فوضعه اكثر حساسية اذ لابد ان يكون اي مسؤول مثالا جيدا يحتذى به موظفوه في كل شيء والالتزام بالدوام اهمها، وان يكون هو نفسه ملتزما بدقة ذلك قبل ان يحاسب غيره من الموظفين ولانهم يتأثروا سلبا وايجابا بمسؤوليهم في هذه الامور وان يكون سلوك وتصرف المسؤول تجاه الموظفين انسانيا بالدرجة الاولى من غير تنفير او ازدراء او تعال، وان يظهر التعاطف مع مشاكلهم التي قد تطرأ او تحدث فجأة، ان يعمل سويا مع موظفيه لايجاد حل للمشاكل الطارئة او غير المتوقعة، ان يتدرج بالاجراء الجزائي (ان كان ضروريا كحل اخير) بدءا من التنبيه الى اقسى ما يكون حسب الصلاحية وترك فرصة للموظف المعاقب كي يتجاوب مع الاجراءات الجزائية تدريجيا، وعدم سلسلة الجزاءات وراء ا لبعض (كل يوم جزاء لحين الفصل) واخيرا ان يكون قرار الفصل صادر من الموظف نفسه بعد اقناعه من مسؤوله بان العمل لم يعد مناسبا له بسبب ظروفه وليس العكس (وهنا يظهر احتراف المسؤول ومهارته لان الغالبية منهم يتهرب من هذا الجزاء ويترك تنفيذه على عاتق الاخرين).
اما الوظيفة (العمل) فان اهم مقوماتها والتي تمنع ظاهرة تأخير الحضور وتبكير الانصراف هي الوضوح في تعيين ساعات الدوام وتوافقها مع طبيعة العمل والوظيفة نفسها ان يكون هناك سجلات او ضوابط تؤكد حضور الموظفين وانصرافهم ان يكون مكان العمل وطريقة الوصول اليه سهلا بدون عقبات (فقد يأتي الموظف مبكرا ويأخذ وقتا طويلا في البحث عن موقف لسيارته او وجود بوابات دخول واماكن تدقيق كثيرة، الخ.. الا يكون للعمل ظروف مناخية تعيق وصول الموظفين في الوقت او تحفزهم لسرعة الخروج، ان يكون فريق العمل متوافقا ولا يوجد منفرات شخصية بينهم، ان يكون الجزاء لعدم الالتزام بالدوام مطبقا اصلا على الجميع وليس بشكل اختياري كالتفرقة والتساهل (يعني مافيه واسطات) الا تكون هناك حالات تسيب واضحة من قبل البعض وبغض النظر عنها لانها ستؤثر وتجذب الاخرين في التسيب ايضا.
وختاما يستطيع كل مسؤول اذا ما تأكد من توفر غالبية الاسباب التي ذكرناها في المقال ان يضمن التناغم بروح فريق العمل من الموظفين ثم انسيابية العمل بينهم وبالتأكيد الاختفاء التدريجي لحالات التاخير المتكرر او الخروج المبكر بين الموظفين. في الحلقات القادمة سنتعرض للحالات الاخرى مع شرح مختصر في كيفية التعامل معها من واقع التجارب العملية.

المصدر : اليوم الاكتروني http://www.alyaum.com/issue/page.php?IN=12007&P=14&G=2
يوم الأحد الموافق 02/04/1427هـ . العدد 12007


احترامي وتقديري