غابة من الأرقام تنسيك حتى اسمك
[align=center]
غابة من الأرقام تنسيك حتى اسمك
حسنًا، لا تفقد رقمك، إياك أن تفقده فتفقد ذاكرتك.
تقف أمام آلة صماء، لا تسألك ما أنت؟ ولا من أنت؟ بل تفتح لك فمها لتضع من خلاله بطاقة بلاستيكية صغيرة، تقوم بتعريفك لها كرقم ليس إلا..! عندما تتأكد أنك صاحب الرقم المقصود، تمنحك كل ما تريده من المن والسلوى. ها هي تفتح لك أسرارها، وخزانتها.
لك ما تريد مما تملك. وإن كنت لا تملك، لا بأس يمكنك أن تطلب على الحساب، وهي ستتعامل مع طلباتك بهدوء. وسوف تعطيك ضمن حدود الصرف المتاحة.( تخيل )كم أن هذا الكون الواسع أصبح مرتهنًا للأرقام فحسب.
ها أنت تتأهب للمغادرة، بعد أن حصلت على حاجتك من الآلة الصماء. لا ليس بعد، هناك حزمة من الفواتير، تبدأ في إدخال رقم اشتراكك في الجوال والهاتف الثابت والكهرباء. دقائق من متعة التعامل مع الأرقام. 123... وتتوالى الأرقام. حذار لا تسرف في العبث بهذه الأرقام فربما تدمي أصابعك. حتمًا ستجد من يؤيدك إن قلت إن العبث بالأرقام يتحول إلى مسألة جدية بأسرع مما تتخيل.
يا صديقي الرقم، ماذا بقي؟ الاتصال بالمنزل، أو بصديق. تقف أمام إحدى الدوائر الحكومية، تسعى لتخليص خدمة معينة، تمد يدك إلى الموظف بالهوية، ينقر على الجهاز أمامه، تبدأ المعلومات بالهطول. يسألك بسأم: ماذا تريد ياسيد...؟ تهم بالرد لكنك تشعر أنك تغص بالأرقام، تتحسس الرقم ثلاثة وهو يتوغل في حلقك، والرقم أربعة وهو ينقلب متجهًا إلى جوفك، والرقم واحد وهو يتربص باحثًا بين أسنانك عن ملاذ!
يا صديقي الرقم، رفقًا بي، فأنا أقف هنا كالفاصلة بين عالمين، خصوصًا أنني أعاني داء النسيان، وعندما تفقد ذاكرتك، فأنت تفقد رقمك السري، أي أنك تفقد عالمك الافتراضي، بل عالمك الواقعي. بريدك الإلكتروني وتواصلك من خلاله مع الآخرين، حفنة الريالات البسيطة المتبقية في حسابك الذي يغطي قوتك الشهري، ... أشياء كثيرة.
اليوم قررت أن أتمرد على الأرقام، هي حالة تصيبني عادة عندما يتأهب الشهر للمغادرة. الإشعارات تتوالى، فاتورة، حساب مدين، ... كلها تتضمن أرقامًا، وتتخاطب مع الإنسان الرقم. لكنني قررت أن أنفصل عنها وأن أعود إنسانًا لبضعة أيام فقط. لم تفلح محاولاتي، إذ سرعان ما أعادتني زوجتي إلى الواقع وهي تقول: أنت الرقم واحد في المنزل. اعتقدت أنها ترغب في تدليلي، لكنها قدمت لي فاتورة تتضمن أرقامًا مخيفة واجبة التسديد فورًا. حاولت أن أصرخ: لا أريد أن أكون رقم واحد. لكن صوتي غلبني وأصبحت أهذي بالأرقام. [/align]
