القول باستحباب زيارة جبل أحد و الدعاء عند القبور
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد :
استمع أحد الأخوة لإحدى الإذاعات العربية- لبرنامج
قال فيه مقدمه- قبحه الله - :
(( ويستحب زيارة جبل أحد، والدعاء لشهداء أحد، ثم يدعوا بما شاء )) ! .
وقد حوى كلامه هذا منكرين و بدعتين، وهما :
قوله: ((استحباب زيارة جبل أحد.)).
والثانية- و هي أشدهما نكارة و بدعة-: ((ثم يدعو بما شاء)).
أما قوله باستحباب زيارة جبل أحد، فهذا أمر لا أعلمه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ولا فعله - على سبيل الاستحباب - أحد من الخلفاء الراشدين المهديين، و لا سائر الصحابة-رضي الله عنهم أجمعين- و لا التابعين له بإحسان .
ولا يجوز القول باستحباب أي عبادة من العبادات إلا ما كان منصوصًا عليها من الكتاب و السنة .
و لا يقال: إن الاستحباب متوجه لوجود قبور شهداء أحد،وذلك لأن الاستحباب الواقع في زيارة القبور
هو لعامة قبور المسلمين -من أجل العظة، والدعاء للموتى فقط لاغير- ولا يجوز تخصيص قبر دون قبر بالاستحباب، ولو كان ذلك مستحبًا لأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، فلما لم نجد ذلك منصوصًا عليه ، تبين أن القول باستحبابه بدعة ! وأما القول الثاني، وهو: الدعاء عند القبور، فهو منكر وبدعة وضلالة ،قال شيخ الإسلام ابن تيمية في
مجموع الفتاوى (3/223-224) :
((قول القائل إن الدعاء مستجاب عند قبور الأنبياء والصالحين ،قول ليس له أصل في كتاب الله ، ولا سنة رسوله [ عليه الصلاة و السلام ]، ولا قاله أحد من الصحابة ، ولا التابعين لهم بإحسان ، ولا أحد من أئمة المسلمين المشهورين بالإمامة في الدين : كمالك ،والثوري ، و الأوزاعي ، والليث ابن سعد ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، و أبي عبيدة . ولا مشايخهم الذين يقتدى بهم : كالفضيل بن عياض ، وإبراهيم ابن أدهم ، وأبي سليمان الداراني ، وأمثالهم .
ولم يكن في الصحابة والتابعين والأئمة والمشايخ المتقدمين من يقول : إن الدعاء مستجاب عند قبور الأنبياء والصالحين ،ولا مطلقا ولا معينا ، ولا فيهم من قال : إن دعاء الإنسان عند قبور الأنبياء والصالحين أفضل من دعائه في غير تلك البقعة ، ولا أن الصلاة في تلك البقعة أفضل من الصلاة في غيرها ، ولا فيهم من كان يتحرى الدعاء ولا الصلاة عند هذه القبور)) .
وقال الإمام ابن باز في فتاوى نور على الدرب (1/181) :
((فالبناء على القبور منكر، وهكذا تخصيصها؛ ووضع الزينات عليها، أو الستور، كله منكر وهو وسيلة إلى الشرك، فلا يجوز، وكذلك وضع القباب أو الستور، أو المساجد عليها أو السرج. وهكذا زيارتها على الوجه الذي ذكره السائل؛ كالجلوس عندها، والتهاليل، وأكل الطعام، والتمسح بالقبر،أو الدعاء عند القبر)).
وقال رحمه الله في فتاويه (1/74):
((ومن هذه الأحاديث يعلم أن الزيارة الشرعية للقبور يقصد منها تذكر الآخرة ، والإحسان إلى الموتى ،والدعاء لهم والترحم عليهم .فأما زيارتهم لقصد الدعاء عند قبورهم أو العكوف عندها أو سؤالهم قضاء الحاجات أو شفاء المرضى أو سؤال الله بهم أو بجاههم ونحو ذلك ، فهذه زيارة بدعية منكرة لم يشرعها الله ولا رسوله ، ولا فعلها
السلف الصالح رضي الله عنهم ، بل هي من الهجر الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال :
" زوروا القبور ، ولا تقولوا هجرا " .
وهذه الأمور المذكورة تجتمع في كونها بدعة ، ولكنها مختلفة المراتب ، فبعضها بدعة وليس بشرك ؛ كدعاء الله سبحانه عند القبور ، وسؤاله بحق الميت وجاهه ونحو ذلك ، وبعضها من الشرك الأكبر ، كدعاء الموتى والاستعانة بهم ، ونحو ذلك)) .
وقال كذلك – المصدر السابق 2/243-: ((ونفيدكم أن الدعاء عند القبور غير مشروع سواء كان القبر قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره ، وليست محلا للإجابة ، وإنما المشروع زيارتها والسلام على الموتى والدعاء لهم ، وذكر الآخرة والموت ، أحببنا تنبيهك على هذا حتى تكون على بصيرة ، وفي إمكانك أنتراجع أحاديث الزيارة في آخر كتاب الجنائز من بلوغ المرام حتى تعلم ذلك . وفقنا الله وإياكم لاتباع السنة والعمل بما يرضي الله سبحانه ويقرب لدينه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)) .
وقال الإمام العثيمين في دروسه بالحرم النبوي (1/51):
((فلو قال قائل: هل للدعاء عند القبور مزية على الدعاء في غير ذلك المكان؟
الجواب: لا. ومن قصد القبور ليدعو الله عندها فقد ابتدع وأخطأ؛ لأن أقرب مكان يجاب فيه الدعاء هو المساجد،
بيوت الله، أما القبور فلا)).
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة(2/8):
((وليس في الإسلام عمل أي عبادة عند القبور لا صلاة ولا تلاوة ولا ذبح ولا توزيع طعام ولا طواف
بها أو غير ذلك، إنما المشروع أن تزار للعظة وأن يدعى لأهلها)).
