ساعي البريد.. من «مرفوضة» إلى «ملائمة» للباحثين عن التميز
ارتقت خلال عامين لتتخطى العوائق الاجتماعية في السعودية
ساعي البريد فهد الغامدي أثناء أدائه مهمته اليومية جدة: منال حميدان
فهد الغامدي اعتاد منذ حصوله على وظيفته كساع للبريد في جدة أن يستيقظ في كل صباح ليحمل رسائل المال والأعمال والمحبة والتواصل أيضا من مكان إلى مكان. يقول فهد البالغ من العمر 28 عاما إنه سعيد بعمله هذا وانه ترك أعماله الخاصة من اجل عيون هذه الوظيفة.
وبخلاف الصورة الشائعة في العالم كله التي كانت هي السائدة إلى وقت قريب في السعودية، بأن مهنة ساعي البريد مهنة من مرتبة أدنى يضطر الشباب للعمل بها كونها الوحيدة المتاحة، أصبحت المهنة مطلوبة وذات مميزات مغرية تدفع الشباب للتنافس عليها.
وبالعودة الى فهد الغامدي فهو موظف بقطاع واصل منذ ثلاثة أعوام، وحصل على وظيفته بعد تخرجه مباشرة من الكلية التقنية بالباحة بقسم إدارة التسويق بعد أن ملأ طلب الالتحاق على موقع البريد الإلكتروني. يقول فهد لـ«الشرق الأوسط» إنه سعيد بعمله الذي جعله يترك جانبا عمله الخاص، ويشير إلى أن مسمى «ساعي البريد» لم يشكل عائقا اجتماعيا أمامه عندما أراد الارتباط بزوجته. ويرجع فهد ذلك التغير الى ازدياد الوعي لدى المجتمع بأهمية الوظيفة.
وقال الغامدي إنه لا يخجل أبدا من وظيفته بل يراها ممتازة وتوافق تطلعاته في الحياة. أما الصعوبات التي تعترضه عند أداء مهمته فيقول فهد إنها تتلخص في وجود بعض الصناديق المكسرة، وتكرار الأرقام في بعض الصناديق، والأحياء العشوائية التي تسبب إشكالية كبرى نظرا لعدم وجود شوارع مسماة أو مرقمة وصعوبة الوصول إلى صناديق البريد فيها.
مهنة ساعي البريد في السعودية ارتقت خلال أقل من عامين لتصبح وظيفة ملائمة جدا للكثير من الشبان المؤهلين يتطلب شغلها أكثر من معرفة قراءة العناوين على الأظرف والطرود المرسلة. ومرت مؤسسة البريد بعملية تطوير جذرية بدأت بالطاقم الوظيفي بالمؤسسة لتنتهي بتقديم خدمة متميزة تنافس خدمات شركات البريد الخاصة الأكثر شهرة.
الدكتور أسامة ألطف نائب رئيس البريد لشؤون العمليات الفنية بالبريد، أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «النقلة النوعية في خدمة البريد السعودي هي تطوير كامل لا يشمل فقط الخدمات المقدمة وإدخال التقنيات الحديثة في أداء المهام، لكنه قولبة كاملة لمؤسسة البريد شملت جميع العاملين فيها».
وقال ألطف بأن موزعي البريد الآن هم شبان يحملون شهادات جامعية وأكاديمية في مجالات خدمة العملاء، والمبيعات والتسويق وأضاف موضحا آلية العمل «نتعامل مع جهتين لاستخدام الموظفين في هذا القطاع هما معهد الإدارة السعودي والكلية التقنية». ويقول ألطف بأن ساعي البريد في السعودية كان إلى وقت قريب يخجل عندما يتقدم إلى خطبة إحدى الفتيات من ذكر مسمى وظيفته ويستعيض عنها بقوله إنه يعمل بإدارة البرق والبريد والهاتف، «هذه النظرة تغيرت كثيرا الآن».
المزايا التي يتمتع بها ساعي البريد بحسب ألطف تجعلها وظيفة مغرية ربما تنافس الكثير من الوظائف المرموقة حاليا حيث يتقاضى ساعي البريد في السعودية راتبا أساسيا لا يقل عن 5 آلاف ريال سعودي أي ما يعادل 1300 دولار أميركي شهريا عن 40 ساعة عمل أسبوعية وهو يتمتع بإجازة يومين في الأسبوع، إلى جانب بدلات أخرى متنوعة وتأمين نهاية الخدمة.
ولا يفوت الدكتور ألطف بأن يشير إلى أن مهمة ساعي البريد في الماضي كانت عسيرة نظرا لأن المملكة شهدت في السنوات الأخيرة نهضة عمرانية عملاقة لم تواكبها نهضة في الاتصالات أو تحديد الأماكن بشكل خاص، فلم تكن هناك خرائط الكترونية أو قاعدة بيانات توضح الموقع المطلوب بدقة وكان ساعي البريد يعتمد على الوصف والأماكن البارزة لإيصال الرسائل وهي مسألة بمكان من الصعوبة.
ويعترف ألطف بأن إقناع الناس بمزايا خدمة البريد الجديدة يتطلب الوقت إلا أنه يؤكد بأن إدارة البريد السعودي تراهن على الخدمات المحسنة كثيرا، ويقول «نراهن أن الفرد الذي سيجرب خدمتنا الجديدة سيقدرها وسيستوعب أهميتها وفائدتها، خاصة أننا نزود جميع المنازل بصناديق البريد الجديدة مجانا رغم أن نظام وزارة الشؤون البلدية والقروية تفرض تركيب صندوق البريد المرقم، مع عدادات المياه والكهرباء أسوة بالنظام السائد في العالم».
وأشار ألطف إلى أن «قطاع البريد الرسمي بمثابة الدم لجسم الإنسان، فلو تعطل البريد في أي مدينة فإن جميع الإدارات الحكومية فيها تتعطل بالتالي، والبريد السعودي هو الجهة الوحيدة التي تقوم بنقل مراسلات الجهات الحكومية، وكانت إلى زمن قريب تقوم بنقل اختبارات الثانوية العامة، إلى جانب أن الأدلة الجنائية التي ترسل عن طريقه تماما مثل الأحكام القضائية، ومخاطبات جهات مثل وزارة الصحة وغيرها من الوزارات التي تنطوي على قدر كبير من الخطورة والسرية».
http://www.aawsat.com/details.asp?se...=515262&search
