قطاع البريد السعودي... سعودة لم تستغل بعد
منقول من صحيفة الوطن السعودية :-
قطاع البريد السعودي... سعودة لم تستغل بعد
وهيب عبدالفتاح صوفي
أقر مجلس الشورى السعودي قبل أكثر من أربع سنوات من حيث "المبدأ" تخصيص مرفق البريد السعودي في محاولة لتطوير خدماته ونشرها على مستوى المملكة. جاء ذلك في وقت كثرت فيه شكاوى المواطنين من الخدمات البريدية الحكومية آنذاك.
اليوم وبعد عدة سنوات مازلنا نرى أن البريد السعودي تقليدي في وظائفه بالرغم من التحسينات التنظيمية التي أدخلت عليه. وعندما نتكلم عن تحسينات فإننا نتحدث عن تطوير يتماشى مع طموحات المواطن التي تساهم في علاج قضاياه ومشاكله. ومن المشاكل المفصلية التي يعاني منها المواطن السعودي حاليا "مشكلة الفرص الوظيفية التي يمكن خلقها" وأستغرب كيف لم نستثمر وظيفة هذا المرفق فيما يمكن أن توفره من فرص وظيفية لا أبالغ أنها قادرة على امتصاص النسبة الكبرى من أعداد العاطلين في بلادنا.
ولكي أوضح الفكرة أكثر أقول إن إحصاءات الحكومة الأمريكية تشير إلى أن عدد موظفي هيئة الخدمات البريدية يبلغ792 ألف موظف وموظفة تقريبا يعالجون حوالي 198 بليون (بالباء) مادة بريدية سنويا من خلال 38 ألف مكتب بريد. ولدى هيئة البريد الأمريكية تنظيم فريد يجعله قادرا على التخطيط والبحث والتطوير والهندسة وشراء العقارات وغيرها بطريقة تجعله قادرا على الوفاء برسالته في تلبية احتياجات الأفراد والشركات سواء في هيئة برامج متخصصة لعموم الناس أو لكبار المؤسسات. وخدمات التفتيش البريدي في الولايات المتحدة لها سلطات واسعة للغاية لتشمل النظر والفصل في القضايا الإجرامية ذات العلاقة بسلامة وأمن المواد والإرساليات البريدية. والمفتشون البريديون هناك يطبقون بصرامة أكثر من 100 قانون يتبع النظام الأساسي الفيدرالي الذي يختص بالغش البريدي وإرسال المتفجرات عبر البريد والصور الممنوعة والأدوية المحظورة وسرقة البريد.
كذلك تشير الإحصاءات اليابانية إلى أن مكاتب البريد في اليابان تستخدم 280 ألف عامل ثابت إضافة إلى 120 ألف متعاون (أي أن واحداً من ثلاثة موظفين في الخدمة المدنية يعمل في مكتب البريد) وهؤلاء في المجموع أكثر ممن يعملون في الجيش والبحرية والقوات الجوية مجتمعة.
وبنظرة سريعة إلى مرفق البريد السعودي فإن المعلومات المتوفرة تشير إلى أنه يعالج 124 ألف مادة بريدية في العام وعدد وظائفه المشغولة هو 9679 وظيفة ويخدم موظف البريد الواحد حوالي 1870 ساكناً. على ما أظن أنها شامله للسائقين والمراقبين والمفتشين والحراس .
وحيث إن هدف المقالة ليس القيام بعملية مقارنات حسابية بين بلادنا النامية مع دول كبرى إلا أنني أعتقد بأن الوقت قد حان للنظر في مرفق البريد نظرة تحمل رؤية جدية تسهم في خلق مئات الآلاف من الوظائف في مختلف مناطق المملكة وتخفيف عبء الهجرة الداخلية عن المدن الرئيسية المكتظة أصلاً بالسكان. إن المجتمع السعودي يتطلع إلى وجود مواطن سعودي يحمل البريد كل يوم إلى موقع سكنه وليس إلى صندوق بريده لاسيما أن العنوان السكني له إيجابيات كثيرة تخدم أكثر من غرض لاسيما الأمني منها. وأعتقد أنه من المعيب علينا أن يجد عامل توصيل مطعم البيتزا موقع منزلنا في أقل من ثلث ساعة ولا يستخدم مرفق البريد في بلادنا هذه الإمكانية في توصيل الرسائل والطرود إلى منازلنا.
ولو عدنا للمثال الأمريكي نجد أن قدرة البريد الأمريكي ومصداقيته تعتمد كثيراً على قوة النظم التي يسير عليها وعلى الإمكانات المتوفرة له من قوى بشرية مدربة تدريباً عالياً ومن مبان وتجهيزات وبيئة عمل موضوعية تشمل حوافز تدفع الموظف لإنتاجية أفضل وحساب عسير لكل مقصر في أداء عمله. كل هذه الأمور، من وجهة نظري المتواضعة، لم تتح بصورة كاملة لمرفق البريد السعودي الذي عانى مثل غيره من الأجهزة الحكومية من تأثيرات الطفرة السلبية التي رافقت نموه وأثرت على قدراته البشرية والتنظيمية وجوانب أدائه.
إن الاستفادة من قدرة مرفق البريد على خلق الوظائف غير محدودة لو أخذ في الاعتبار الخدمات الإضافية التي يمكن لهذا المرفق أن يقدمها متى ما تمت دراسة فكرة التوصيل البريدي لموقع السكن. وهذا بالطبع لا يمنع أبداً من اختيار مظهر من مظاهر التخصيص الذي يتناسب مع أوضاعنا الراهنة من حيث تكوين كوادر بريدية وطنية جادة في أعمالها ويكفل في الوقت نفسه القضاء على إفرازات الطفرة التي ساهمت في تكوين ثقافات عمل سلبية وسلوكيات بيروقراطية نراها في معظم أجهزتنا الحكومية.
