.








.



.



هناك كل الدلائل على أن الرأسمال البترولي الفائض في دول مجلس التعاون الخليجي ينتقل بوتيرة متسارعة ليصبح رأسمالا عولميا. إنه يتنقل عبر أصقاع العالم يفتّش عن واحات الاستثمارات الآمنة ذات الرّبح الوفير وغير المنضبط. من هنا الهجمة الكبيرة الحالية على الاستثمار في أسواق الصين والهند ودول آسيا الأخرى وأسواق دول أوروبا الشرقية. وهو، الرأسمال الخليجي العولمي، يتعلّم أساليب الممارسة العولمية جيدا. فأهدافه هي تحقيق أقصى درجات الرّبح، والتزاماته هي ما تؤدّي إلى مضاعفة ذلك الرّبح، وفضاءاته هي حيث يكون الربح أجزل وأسهل. أما الأهداف الوطنية والقومية، أما الفضاءات الإقليمية، أما الالتزامات الاجتماعية فإنها تبقى عوامل هامشية لا يؤخذ بها إلا إذا اندرجت تحت عباءة الربح الهائل الخيالي الذي توفرّه الحركة الاندماجية العولمية المتسارعة. دعنا من حقوق العروبة والإسلام على الرأسمال الخليجي في أن يُستثمر جزء كبير منه في تنمية وطن العرب وأوطان المسلمين، دعنا من الالتزامات الاجتماعية لكل رأسمال نظيف في ألا تكون تنقلاته عبر البحار والمحيطات على حساب الفقراء والمهمشين والعاطلين. دعنا بدلا من ذلك نطرح الجدلية التالية : إذا كان الرأسمال العربي الخليجي قد تعلم جيدا كيف يسيح في أرجاء المعمورة لجني الأرباح باسم العولمة، فلماذا لم يستطع حتى الآن تعلّم بشكل مماثل روح وأساس ومحرك الاقتصاد العولمي ؟ فالركيزة الاقتصادية التي يقوم عليها عصر العولمة هي مركب العلم والتكنولوجيا من جهة ومركب الثورة المعلوماتية والتواصلية من جهة أخرى. إن الوعي بهذه البديهية ظل غائباً عن الساحة الاقتصادية الرسمية والخاصة في مجتمعات الخليج العربي بصورة مفجعة ومحيرة. إننا نرفض أن نرى بوضوح أن اقتصاد هذا القرن أساسه اقتصاد إنتاج المعرفة التي بدورها تنقلب إلى تكنولوجيا وبضاعة مادية وخدمية وتواصلية . وإنتاج المعرفة لا يعتبر إنتاجا خلاقا وإبداعيا من خلال شرائها من الغير . إنها عملية معقدة وحفر في الصخر وجهاد في ساحات العقول. إنها تشمل فيما تشمل نوع ومستوى وجديّة تعليم وتدريب الإنسان في كل المستويات ومدى الحياة ليرفد ساحة توافر العلماء، وكذلك نوع ومستوى وجديّة البحوث التي سيقوم بها أولئك العلماء . أما قضية التعليم والتعلّم فلن نتطرق إليها في هذه العجالة، وقد قيل فيها الكثير. لكن دعنا نأخذ ما لا يمكن رفد وإغناء وتطوير المعرفة إلا به، وهو ممارسة وتوافر البحوث. إن معدل ما يصرفه العالم من الناتج المحلي الإجمالي على البحوث الأساسية والتطبيقية يصل إلى 4،1% في حين ان ما يصرفه العرب، بما فيهم دول مجلس التعاون، هو سبع تلك النسبة. هذا بينما تصل تلك النسبة في الكيان الصهيوني إلى ثلاثة أضعاف متوسط النسبة العالمية. إن شرط تخريج وتدريب علماء يشتغلون في مجمعات بحثية منتجة للمعرفة من جهة ومتناغمة مع مؤسسات اقتصادية - تكنولوجية - صناعية - خدمية مختلفة هو شرط لازم للانخراط الندي في الاقتصاد العصري العولمي. إن وجود وادي السيليكون الأمريكي الشهير، القائم بالأبحاث والمنتج للمعرفة والرافد للاقتصاد التكنولوجي - التواصلي الأمريكي، قد بني على توافر تلك الشروط. ونجاح الهند في بنائها لواديها السيليكوني في مدينة بنجلور قد أخذ بتلك الشروط. فما الذي يمنع وجود وادي سيليكون خليجي عربي في بقعة من دول مجلس التعاون يساهم في إنتاج معرفة عربية ترفد الاقتصاد العربي برمته ؟ إن توافر الفائض البترولي الخيالي المتنامي سيسمح، إضافة إلى ممارسة أسفاره الربحية الهائلة عبر العالم، بأن يوفّر أرضية كاملة لبناء المجمعات البحثية - التدريبية - المعرفية - التكنولوجية في خليج العرب. وإلى حين توافر الإرادة السياسية والممارسة الاقتصادية التنموية والبناء للمستقبل العربي البعيد والفهم العلمي الناضج لروح الاقتصاد العولمي.. إلى حين توافر ذلك سندور في حلقة وهم الاعتقاد أننا ننخرط في اقتصاد العولمة في حين اننا في الواقع نعيش على فتاته ولفترة مؤقتة .




علي محمد فخرو