السلام عليكم ، قال أبو إسحاق الألبيري { من علماء الأندلس } يوصي ابنه أبابكر:
[poem=font="Simplified Arabic,4,darkblue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/18.gif" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="1,darkblue"]
تفت فؤادك الأيام فتا = وتنحت جسمك الساعات نحتا
وتدعوك المنون دعاء صدق = ألا يا صاح أنت أريد أنتا
أراك تحب عرسا ذات خدر = أبتَّ طلاقها الأكياس بتا
تنام الدهر ويحك في غطيط = بها حتى إذا مت انتبهتا
فكم ذا أنت مخدوع وحتى = متى لا ترعوي عنها وحتى
أبا بكر دعوتك لو أجبتا = إلى ما فيه حظك لو عقلتا
إلى علم تكون به إماما = مطاعاً إن نهيت وإن أمرتا
ويجلو ما بعينك من غشاها = ويهديك الطريق إذا ضللتا
وتحمل منه في ناديك تاجا = ويكسوك الجمال إذا عريتا
ينالك نفعه ما دمت حيا = ويبقى ذكره لك إن ذهبتا
هو العضب المهند ليس ينبو = تصيب به مقاتل من أردتا
وكنز لا تخاف عليه لصا = خفيف الحمل يوجد حيث كنتا
يزيد بكثرة الإنفاق منه = وينقص إن به كفا شددتا
فلو قد ذقت من حلواه طعما = لآثرت التعلم واجتهدتا
ولم يشغلك عنه هوى مطاعٌ = ولا دنيا بزخرفها فُتنتا
ولا ألهاك عنه أنيق روضٍ = ولا دنيا بزينتها كلفتا
فقوت الروح أرواح المعاني = وليس بأن طعمت ولا شربتا
فواظبه وخذ بالجد فيه = فإن أعطاكه الله انتفعتا
وإن أعطيت فيه طويل باعٍ = وقال الناس إنك قد علمتا
فلا تأمن سؤال الله عنه = بتوبيخ : علمتَ فما عملتا
فرأس العلم تقوى الله حقا = وليس بأن يقال لقد رأستا
وأفضل ثوبك الإحسان لكن = نرى ثوب الإساءة قد لبستا
إذا ما لم يفدك العلم خيرا = فخير منه أن لو قد جهلتا
وإن ألقاك فهمك في مهاوٍ = فليتك ثم ليتك ما فهمتا
ستجني من ثمار العجز جهلا = وتصغر في العيون إذا كبرتا
وتُفقد إن جهلت وأنت باق = وتوجد إن علمت ولو فُقدتا
وتذكر قولتي لك بعد حين = إذا حقاً بها يوما عملتا
وإن أهملتها ونبذت نصحاً = وملت إلى حطام قد جمعتا
فسوف تعض من ندم عليها = وما تغني الندامة إن ندمتا
إذا أبصرت صحبك في سماء = قد ارتفعوا عليك وقد سفلتا
فراجعها ودع عنك الهوينى = فما بالبطء تدرك ما طلبتا
ولا تختَل بمالك والهُ عنه = فليس المال إلا ما علمتا
وليس لجاهل في الناس مغن = ولو مُلك العراق له تأتّا
سينطق عنك علمك في ملاءٍ = ويكتب عنك يوما إن كتمتا
وما يغنيك تشييد المباني = إذا بالجهل نفسك قد هدمتا
جعلت المال فوق العلم جهلا = لعمرك في القضية ما عدلتا
وبينهما بنص الوحي بونٌ = ستعلمه إذا طه قرأتا
لئن رفع الغنيّ لواء مال = لأنت لواء علمك قد رفعتا
لئن جلس الغني على الحشايا = لأنت على الكواكب قد جلستا
وإن ركب الجياد مسومات = لأنت مناهج التقوى ركبتا
ومهما افتض أبكار الغواني = فكم بكر من الحِكم افتضضتا
وليس يضرك الإقتار شيئا = إذا ما أنت ربك قد عرفتا
فماذا عنده لك من جميل = إذا بفناء طاعته أنختا
فقابل بالقبول لنصح قولي = فإن أعرضت عنه فقد خسرتا
وإن راعيته قولا وفعلا = وتاجرت الإله به ربحتا
فليست هذه الدنيا بشيءٍ = تسوؤك حقبة وتسر وقتا
وغايتها إذا فكرت فيها = كفيئك أو كحلمك إذ حلُمتا
سجنتَ بها وأنت لها محب = فكيف تحب ما فيه سجنتا
وتطعمك الطعام وعن قريب = ستطعم منك ما فيها طعمتا
وتعرى إن لبست بها ثيابا = وتكسى إن ملابسها خلعتا
وتشهد كل يوم دفن خلّ = كأنك لا تراد لما شهدتا
ولم تخلق لتعمرها ولكن = لتعبرها فجد لما خلقتا
وإن هدمتْ فزدها أنت هدما = وحصن أمر دينك ما استطعتا
ولا تحزن على ما فات منها = إذا ما أنت في أخراك فزتا
فليس بنافع ما نلت منها = من الفاني إذا الباقي حرمتا
ولا تضحك مع السفهاء يوما = فإنك سوف تبكي إن ضحكتا
ومن لك بالسرور وأنت رهن = وما تدري أتُفدى أم غللتا
وسل من ربك التوفيق فيها = وأخلص في السؤال إذا سألتا
وناد إذا سجدت له اعترافا = بما نادا ذو النون ابن متى
ولازم بابه قرعا عساه = سيفتح بابه لك إن قرعتا
وأكثر ذكره في الأرض دأبا = لتُذكر في السماء إذا ذكرتا
ولا تقل الصبا فيه امتهال = تذكّر كم صغير قد دفنتا
وقل يا ناصحي بل أنت أولى = بنصحك لو لفعلك قد نظرتا
تقطعني على التفريط لوما = وبالتفريط دهرك قد قطعتا
وفي صغري تخوفني المنايا = وما تدري بحالك حيث شختا
وكنت مع الصبا أهدى سبيلا = فما لك بعد شيبك قد نكثتا
وها أنا لم أخضْ بحر الخطايا = كما قد خضته حتى غرقتا
ولم أشرب حُميّا أم دفرٍ = وأنت شربتها حتى سكرتا
ولم أنشأ بعصر فيه نفع = وأنت نشأت فيه وما انتفعتا
ولم أحلل بواد فيه ظلم = وأنت حللت فيه وانتهكتا
لقد صاحبتَ أعلاما كبارا = ولم أرك اقتديت بمن صحبتا
وناداك الكتاب فلم تجبه = ونبهك المشيب فما انتبهتا
ويقبح بالفتى فعل التصابي = وأقبح منه شيخ قد تفتّا
ونفسك ذمّ لا تذمم سواها = لعيب فهي أجدر من ذممتا
وأنت أحق بالتفنيد مني = ولو كنت اللبيب لما نطقتا
ولو بكت الدما عيناك خوفا = لذنبك لم أقل لك قد أمنتا
ومن لك بالأمان وأنت عبد = أُمرت فما ائتمرت ولا أطعتا
ثقلت من الذنوب ولست تخشى = لجهلك أن تخف إذا وزنتا
وتشفق للمصر على المعاصي = وترحمه ونفسك ما رحمتا
رجعت القهقرى وخبطت عشوى = لعمرك لو وصلت لما رجعتا
ولو وافيت ربك دون ذنب = ونوقشت الحساب إذاً هلكتا
ولم يظلمك في عمل ولكن = عسير أن تقوم بما حملتا
ولو قد جئت يوم الحشر فردا = وأبصرت المنازل فيه شتى
لأعظمت الندامة فيه لهفا = على ما في حياتك قد أضعتا
تفر من الهجير وتتقيه = فهلاّ من جهنم قد فررتا
ولست تطيق أهونها عذابا = ولو كنت الحديد به لذبتا
ولا تنكر فإن الأمر جد = وليس كما حسبت ولا ظننتا
أبا بكر كشفت أقل عيبي = وأكثره ومعظمه سترتا
فقل ما شئت فيّ من المخازي = وضاعفها فإنك قد صدقتا
ومهما عبتني فلفرط علمي = بباطنه كأنك قد مدحتا
فلا ترض المعايب فهو عارٌ = عظيمٌ يورث المحبوب مقتا
وتهوي بالوجيه من الثريا = ويبدله مكان الفوق تحتا
كما الطاعات تُبلغك الدراري = وتجعلك القريب وإن بعدتا
وتنشر عنك في الدنيا جميلا = وتلقى البر فيها حيث شئتا
وتمشي في مناكبها عزيزا = وتجني الحمد فيما قد غرستا
وأنت بنيّ لم تُعرف بعيبٍ= ولا دنّست ثوبك مذ نشأتا
ولا سابقت في ميدان زورٍ = ولا أوضعتَ فيه ولا خببتا
فإن لم تنأ عنه نشبت فيه = ومن لك بالخلاص إذا نشبتا
تدنس ما تطهر منك حتى = كأنك قبل ذلك ما طهرتا
وصرت أسير ذنبك في وثاق = وكيف لك الفكاك وقد أُسرتا
فخف أبناء جنسك واخش منهم = كما تخشى الضراغم والسبنتا
وخالطهم وزايلهم حِذارا = وكن كالسامري إذا لُمستا
وإن جهلوا عليك فقل سلامٌ = لعلك سوف تسلم إن فعلتا
ومن لك بالسلامة في زمان = تنال العصم إلا إن عصمتا
ولا تلبث بحي فيه ضيمٌ = يميت القلب إلا إن كُبلتا
وغرّب فالتغرب فيه خير = وشرّق إن بريقك قد شرقتا
فليس الزهد في الدنيا خمولا = لأنت بها الأمير إذا زهدتا
ولو فوق الأمير تكون فيها = سموّاً وارتفاعا كنت أنتا
فإن فارقتها وخرجت منها = إلى دار السلام فقد سلمتا
وإن أكرمتها ونظرت فيها = لإكرام فنفسك قد أهنتا
جمعتُ لك النصائح فامتثلها = حياتك فهي أفضل ما امتثلتا
وطولتُ العتاب وزدت فيه = لأنك في البطالة قد أطلتا
ولا يغررك تقصيري وسهوي = وخذ بوصيتي لك إن رشدتا
وقد أردفتها تسعا حسانا = وكانت قبل ذا مائة وستا
وصلى على تمام الرسل ربي = وعترته الكريمة ما ذكرتا[/poem]
معذرة على الإطالة0
أخوكم : المواصل 0