كيف حالك في أول ليلة لك في القبر؟؟

--------------------------------------------------------------------------------

اخواني ..أخواتي
أحبتي في الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


والله لو عاش الفتى في عمرهِ ** ألفًا من الأعوامِ مالكَ أمره
متنعمًا فيها بكـــــــــــــلِ لذيذةٍ ** متلذذًا فيها بسكنى قصره
لا يعتريه الهـــــــمُ طول حـياته ** كلا ولا تردُ الهمومُ بصدره
ما كان ذلك كلُـــه في أن يفي ** فيها بأولِ لـــيلةٍ في قبره

ليلتانِ اثنتان يجعلها كلُ مسلمٍ في مخيلته‏.‏

ليلةٌ وهو في بيته مع أطفاله وأهله‏.‏
منعمًا سعيدًا، في عيشٍ رغيد في صحة وعافية، يضاحكُ أطفاله ويضاحكونه‏.‏
والليلةُ التي تليها مباشرةً ليلةٌ أتاه الموت فوضع في القبر، وضع في القبر لأولِ مرة،
يومَ يوضعُ الإنسانُ فريدًا وحيدًا مملقًا إلا من العمل، لا زوجةَ ولا أطفال ولا أنيس‏:‏
‏{‏ثم ردوا إلى اللهِ مولاهم الحق ألا لهُ الحكمُ وهو أسرع الحاسبين‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 62‏]‏‏.‏
أولُ ليلةٍ في القبر بكي منها العلماء، وشكا منها الحكماء، ورثى منها الشعراء
كيف أفارقُ أطفالي في لحظة‏؟‏

أهكذا تُختلسُ الحياة، أهكذا أذهب‏؟‏
أهكذا أفقدُ كل ممتلكاتي في لحظة‏؟‏

يقولون لا تبعد وهم يدفنونني ** و أين مكانُ البعد إلا مكانـيا

وأين مكانُ البعد إلا هذا المكان‏؟‏
وأين الوحشةُ إلا هذا المنقلب‏؟‏
وأين المكان المظلم إلا هذا المكان‏؟‏
فهل تصورَ متصورٌ هذا‏.‏
‏{‏حتى إذا جاء أحدهم الموتُ قال ربي ارجعون لعلي أعمل صالحًا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏ 100‏]‏‏.‏
كلا، ألان تراجع حسابك ، ألان تتوب، ألان تنتهي عن المعاصي‏.‏
يا مدبرًا عن المساجد ما عرف الصلاة‏.‏
يا معرضًا عن القرآن يا متهتكًا في حدود الله‏.‏
يا ناشئًا في معاصي الله‏.‏
يا مقتحمًا لأسوار حرمها الله‏.‏
ألان تتوب، أين أنت قبل ذلك‏؟‏
قبل أو ليلية في القبر‏.‏

كان عمر بن عبد العزيز أميرًا من أمراء الدولةِ الأموية، يغيرُ الثوبَ من حرير في اليومِ أكثرَ من مرة، الذهبُ والفضةُ عنده الخدم القصور، المطاعم المشارب كلَ ما اشتهى وكل ما طلبَ وكلَ ما تمنى‏.‏
ولما تولى الخلافة، مُلك الأمة الإسلامية انسلخَ من ذلك كلِه لأنه تذكرَ أولَ ليلةِ في القبر‏.‏
فما مرَ عليه أسبوعٌ أو أقل إلا وقد هزُل، وضعف وتغير لونه ما عنده إلا ثوبٌ واحد‏ ....
قالوا لزوجتهِ مالِ عمرَ تغير‏؟‏
قالت واللهِ ما ينامُ الليل، والله إنه يأوي إلى فراشه فيتقلبُ كأنه ينامُ على الجمر
يقولُ له أحد العلماء يا أمير المؤمنين‏:‏
رأيناك قبل أن تتولى الملك وأنت في مكة في نعمةٍ وفي صحة وفي عافيه، فمالك تغيرت‏؟‏
فبكى ـ رضي الله عنه ـ حتى كادت أضلاعَه تختلف، ثم قال للعالم وهو ابن زياد‏:‏
كيف بك يا ابن زياد لو رأيتني في القبرِ بعد ثلاثةِ أيام‏.‏
يومَ أجرد من الثياب، وأوسد التراب، وأفارقُ الأحباب وأترك الأصحاب‏.‏
كيف لو لرأيتني بعد ثلاث والله لرأيت منظرًا يسوءك‏.‏

وكان عثمانُ بنُ عفانُ الخليفةَ ـ رضي الله عنه ـ إذا شيعَ جنازة بكى حتى يغمى عليه فيحملونَه إلى بيتهِ كالجنازة .
قالوا مالك‏؟‏ قال سمعتُ الرسولَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏ يقول القبرُ أولُ منازلِ الآخرة فإذا نجا العبدُ فيه أفلح وسعد، وإذا خسرَ ـ والعياذُ بالله - خسرَ أخرتَه كلها‏.

والقبرُ روضــــــةٌ من الجــنانِ ** أو حفرةٌ من حُفر النيرانِ
إن يكن خيرًا فالذي من بعـده** أفضلُ عند ربـنا لعبده
وإن يكن شرًا فما بــعده أشد** ويلٌ لعبدٍ عن سبيلِ اللهِ صد

يا إخوتي في الله‏:‏

يا شيخًا كبيرًا احدودب ظهرُه ودنى أجلُه، هل أعدت لأولِ ليلة‏؟‏
يا شابًا قويًا متنعمًا غره الشباب والمالُ والفراغ هل أعددت لأولِ ليلة‏؟‏
يافتاة غرها جمالها ومالها هل أعددت لأول ليلة؟
يانفسي الخطاءة المقصرة الضعيفة ..يانفسي التي غرتك الدنيا وزينتها هل أعددت لأول ليلة؟
إنها أولُ الليالي‏:‏
وإنها إما أولُ ليلةٍ من ليالي الجنةِ‏.‏
أو أولُ ليلةٍ من ليالي النار‏.‏

فإذا النفوسُ تغرغرت بزفيرِ حشرجةِ الصدور** فهناك تعلمُ موقنًا ما كنت إلا في غُرور

................
المرجع /
محاضر ة للشيخ عائض القرني..بتصرف