يتعاقب على حكم الدول حكّام طغاة عتاة ، أصابهم جنون العظمة ، ووجدوا من يصفق لهم ويزين لهم سوء أعمالهم ويصورها على أنها إنجازات وبطولات ، فاستخفوا بالعباد وأصبحوا يسوقون شعوبهم كقطيع البهائم 0
و من أبرز هؤلاء الحكام جوزيف ستالين ، ذلك الطاغوت المتجبر ، الذي أذاق الأمرّين شعوب الاتحاد السوفيتي السابق ، لا سيّما المسلمين ، تولى رئاسة الحزب الشيوعي السوفيتي سنة 1924 م بعد وفاة لينين ،أحكم قبضته الحديدية على السلطة وحاكم معارضيه محاكمات صورية انتهت بتصفيتهم ، اشترك بالحرب العالمية الثانية ، مات سنة 1953 م عن 74 عاماً ، أدانه مؤتمر الحزب بعد وفاته 0
جرائمه الفظيعة أكثر من أن تحصى ، وذلك من أجل الحفاظ على الكرسي وتقوية الشيوعية ، وقد ضحّى بكثير من أصدقائه الذين خشي منافستهم أو تشكيلهم خطراً عليه من خلال كتاباتهم النقدية في الصحف وغيرها 0
والحادثة التالية تبيّن مدى كره عامة الشعب لهذا الدكتاتور ورغبتهم بشتى الوسائل في التخلص منه :
كان سكرتير اللجنة التنفيذية للمقاطعات الروسية صديقاً حميماً لستالين وموضع ثقته ، وهو الذي يختار أعوان الدكتاتور من الإداريين وخاصة من السكرتيرين والخدم والسعاة ، وكان يقدم لوظائف السكرتارية من تقع عينه عليها من الجميلات ذوات الحسن الخلاب ، وقد اختار لقراءات ستالين الخاصة في ساعات فراغه فتاة شابة حسناء ذات أصل أرستقراطي قديم ( أي من طبقة الأمراء والأشراف سابقاً ) ، وكان ستالين يضطجع كل يوم صباحاً قبل أن يباشر عمله الرسمي على أريكة ناعمة ؛ حيث تجلس الفتاة أمامه لتقرأ كل ما يريد من صحف أو رسائل كتابية أو برقيات خارجية ، وبجانبه منضدة تحمل أطباق الحلوى والفاكهة وما يلزم من عقاقير طبية ، وقد أُ عجِب ستالين بقراءة الفتاة وسرعة فهمها وجودة تعليقها على ما تقرأ ، و عدّ مجلسها من أسعد أوقاته اليومية 0
وذات صباح أمر الدكتاتور بقدحين من البنّ التركي الذي يحبه ، وكان من عادتها أن تتذوّق أولاً ما يُقدّم لستالين كي يأمن أن يكون الشراب موضع خطر ، وحين وضعَتْ السكر في الفنجان كانت عين ستالين تلحظ بيقظة لوناً في السكر غير طبيعي ؛ وهو شيء لا يلحظ إلا بتأمّل فاحص لا يدركه غير الشكاك الحذر الدقيق ، فتركها تشرب قدحها ؛ ثم طلب منها أن تشرب قدحه ، فظهر عليها ما يدل على انتشار السم ، فلم يكفه أن تموت بين يديه ؛ ولكنه تعقّب أهلها وأصدقاءها ، ومن يظن أن لهم بها أدنى صلة عارضة ، فاستأصلهم جميعاً بعد تعذيب شاق في السجون ، ليعترفوا بما يعلمونه من نوايا الحسناء ؛ فقد يكون لها شركاء في المؤامرة قطعاً ، ولابد أن يصل إليهم جميعاً ، وقد احتاط حين لم يجد الدليل ، فأعدم من يشاع أنه من معارفها ، أما صديقه الحميم سكرتير اللجنة التنفيذية للمقاطعات الروسية فقد أُ بعِد من مناصبه وجُرّد منها تجريداً تامّاً ،وأُلقي به في السجن أمداً طويلاً ،لأنه لم يحسن الاختيار حين قدّم الفتاة لتكون سكرتيرة خاصة للدكتاتور 0
عن مجلة المنهل ، العدد 542
تقبلوا تحية : المواصل 0