قال تعالى ( حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ) 0
النمل ؛ ذلك المخلوق العجيب الضعيف الذي سُمّيَتْ به سورة من سور القرآن الكريم ، والآية الكريمة هي في السورة ذاتها 0
وما إن يأتي ذكْر النمل حتى يتبادر إلى الذهن الجد والمثابرة وقوة العزيمة التي يعتقد المرء أن النمل هو مضرب المثل فيها 0
ولعل بعضنا يتذكر منذ الصغر حكاية ذلك الرجل الكسول الذي شاهد نملة تبذل عدة محاولات لصعود جذع شجرة حتى نجحَتْ في النهاية ، أو حكاية النملة والصرصار الذي أمضى فصل الصيف في لهو ولعب تاركاً العمل والادّخار حتى كاد يموت جوعاً في الشتاء ، تلك الحكايات التي تحثنا على الاجتهاد والمبادرة في إنجاز العمل بسرعة وعدم تأخيره ، وتحذرنا في الوقت نفسه من الكسل والخمول واليأس 0
وتجنّباً للإطالة فسنبقى الآن مع تلك المعلومات القيّمة والنادرة ، والتي جمعها أحد الدارسين في علم الحشرات ، وهو الكاتب الأمريكي إدوارد ويلسون ، وتتجلى فيها بوضوح قدرة الخالق جل جلاله على إلهام هذه المخلوقات لطريقة عيشها ، فممّا قال :
النمل ـ بمجموعه ـ هو إحدى القوى المهيمنة على الأرض ، والأنواع المعروفة منه تغطي معظم سطح الأرض باستثناء المناطق القطبية 0
يبلغ تعداد سكان مملكة النمل عشرة ملايين مليار ( ستة عشر صفراً إلى يمين الواحد !!!! ) ، ويفوق بأضعاف كثيرة تعداد كل الحيوانات والطيور والزواحف والبرمائية مجتمعة 0
إننا ندين بوجودنا للنمل ؛ فهو يقلب التربة في معظم أنحاء العالم ، كما يعمل على تهويتها وتجفيفها وإفادتها ، وهو ينقل المواد العضوية إلى قراه تحت الأرض ، والنمل من أهم ناشري بذور النباتات ، ويأكل أكثر من 90% من جيف الحيوانات الصغيرة 0
وهناك أعداد هائلة من النباتات والحيوانات تعتمد على النمل 0
ولو أُبيدَ النمل لانقرضت مئات الألوف من النبات والحيوان ، ولاختلّ توازن كثير من النظم البيئية بالعالم 0
إن ميزة النمل الأساسية هي التنظيم الاجتماعي ، إن الوحدة العاملة ليست الفرد بل القرية بكاملها ، تلك القرية التي يجول الآلاف من جنودها في مساحات واسعة من الأرض بحثاً عن الطعام 0
يطوف نمل الصحراء في شمال إفريقيا نحو ستة أيام خارج قريته المبنية تحت الأرض بحثاً عن الطعام ، قبل أن يضل طريقه أو تلتقطه العناكب والذباب ، لكنه يكون قد حمل لقريته خلال هذه المدة طعاماً يصل إلى عشرين ضعف وزنه 0
وتكون عاملات النمل النجار الماليزي بمثابة قنابل متحركة ، فالغُدَد الضخمة المليئة بالسم موزعة على امتداد جسم النملة التي تقوم أثناء المعركة بتمزيق جدران جسمها راشّةً السم على أعدائها ، وبنفس الوقت تتولى غدد أخرى إطلاق روائح خاصة لدعوة الأخريات في القرية للقتال 0
ولكل نوع من النمل تركيبته المميزة من الأسلحة ووسائل الاتصال ، فالنمل الناري الذي يعيش في جنوب البرازيل ؛ تُسبب مركّبات سمه لذعاً حارقاً ، ويجمع فِرقه المقاتلة خارج القرية عن طريق إفراز آثار كيميائية وراءه ، وعندما تكتشف نملة مغيرة أي حشرة ميتة لا تستطيع حملها ؛ فإنها تسرع عائدة باتجاه القرية مخلفة إفرازات خفيفة ، وجزء بسيط جداً من تلك الإفرازات يكفي لدعوة عشرات من النمل 0
إن فكِّيْ النملة طويلان سيفيّان يحملان أسناناً كثيرة في الداخل ، هذان الفكان للنملة هما كاليدين للإنسان ، وتستخدم فكِّيها برشاقة وتوافُق مع أجزاء الفم الأخرى ومع قائمتيها الأماميتين في بناء القرية وتفتيت قطع الطعام والْتهامها ، ويُستعمَل الفكّان أيضاً سلاحاً للقبض على الفريسة ، ونمل الغابات الاستوائية الأمريكية له فكّان على شكل شوكة المائدة ، وأسنان دقيقة وطويلة تبدو أطرافها خلف الرأس عند إطباق الفكين ، وتصطاد بالفكين أحد أنواع الديدان وهو شبيه بالقنفذ ؛ فتغرز أسنانها الطويلة من خلال الشوك لتصل إلى اللحم ، وتحملها إلى القرية حيث يتم تنظيفها من غلافها الخارجي الذي لا يؤكل ثم توزَِّّع وتؤكل 0
أما النمل الجيشي ؛ في أمريكا الوسطى والجنوبية ؛ فهو خير مثال للعمل الجماعي للنمل ، ويبلغ طول الواحدة ثلاثة أرباع السنتيمتر ، وفي قريته ما يربو على سبعمائة ألف عاملة 0
وتتدفق آلاف العاملات صباحاً بتشكيلات متراصّة متحركة بطول خمسة عشر متراً ، وعرض مترين ، وسرعة كيلومتر ونصف بالساعة ، ويجتاح كل ما أمامه من عقارب وعناكب ، وأحياناً ثعابين وزواحف أخرى 0
أما الحشرة الاجتماعية الأولى ؛ فهي نملة تقطيع أوراق الشجر ، وتعيش في جنوب الولايات المتحدة وفي الأرجنتين ، فيجمع أوراق الشجر المقطعة ويصنع منها غذاءه ، وهذه ميزة نادرة لتلك الحشرات تقودها الغريزة ؛ حيث أن هذه النباتات قاسية وصعبة القطع ، وأيضاً مليئة بمواد سامة للنمل إذا أكلها في الحال ، فيتغلب هذا النمل على تلك العقبة بعملية على مراحل ؛ حيث تقضم العاملات الكبيرات قطع الأوراق والأزهار وتعود بها إلى القرية ، ثم تقوم العملات الصغيرات بتفتيت تلك الأوراق إلى أجزاء صغيرة جداً ، وبعد ذلك تحوَّل إلى عجينة تضاف إلى خضر متعفنة من قبل ، ثم تُزرع فطريات إلى العجينة ، فإذا نَمَتْ الفطريات حُصِدَتْ ووُزِّعَتْ طعاماً ،فهذا الفطر المزروع هو الذي يبطل مفعول سم النباتات 0
إن قرية النمل أساساً مصنع داخل قلعة ، وتنظيم رائع من البنّائين والجنود والممرضات واختصاصيين آخرين متّحدين ومتفانين حول فكرة واحدة ؛ وهي بقاء المملكة وزيادة النسل وإعمار قرى جديدة 0
انتهى مع بعض التصرف والاختصار 0
للجميع فائق التحية والاحترام من : المواصل 0
رد مع اقتباس