هذا أحد اللصوص من الهند ، يروي حكاية عجيبة له :
كنت لا أزال في الخامسة عشرة من عمري عندما التقيت السيد ( أنيل ) ، ورغم صغر سني آنذاك فقد كنت محترفاً ناجحاً .
رأيته يشاهد مباراة في المصارعة ، نحيل الجسم ، طويل القامة ، لطيف المعشر وبسيط ، مما يتفق وغرض السرقة الذي أنويه .
وحيث أني أعلم أن التملق يزيل الوحشة ويذيب الجليد بين اثنين غريبين عن بعضهما ، فقد امتدحته بقولي : يبدو أنك مصارع .
أجاب : وأنت أيضاً !!
صدمني جوابه غير المتوقع ، حيث أني نحيل هزيل الجسم ، فقلت : أجل ، أمارس المصارعة قليلاً !
قال : ما اسمك ؟
أجبته كاذباً : هاري سنغ .
كنت دائماً أنتحل اسماً جديداً لخداع الشرطة وأرباب عملي السابقين .
بعد انتهاء المصارعة انصرف أنيل فتبعته وطلبت منه أن أعمل في خدمته .
قال لي : لكني لا أستطيع أن أدفع لك أجراً .
فكرت لحظة ثم قلت : ألا تستطيع تأمين طعامي ؟
سألني : هل تحسن الطهو ؟
قلت كاذباً : نعم ؛ أطهو .
قال : إذا كنت تحسن الطهو فربّما استطعت تقويتك .
أخذني إلى حجرته القائمة فوق حانوت للحلويات ، وأبلغني أني أستطيع النوم على الشرفة .
لا بد أن الطعام الذي طهوته تلك الليلة كان رديئاً حيث أعطاه أنيل لكلب شارد ، ثم طردني ، لكني لم أبرح المكان بل وقفت أبتسم له بتودد فدُهش ثم انفجر ضاحكاً .
بعد قليل اقترب مني وربّت على رأسي قائلاً : حسناً ؛ سأعلمك الطهو .
كان العمل في خدمة أنيل مريحاً ؛ كنت أُعدّ الشاي صباحاً ثم أذهب للسوق لشراء حاجيات النهار ، وفي العادة كنت أوفر لنفسي بعض النقود ، أظنه يعلم بها لكنه لم يهتم .
كان أنيل يقترض المال في أسبوع ثم يقرضه في الأسبوع التالي بفائدة أكبر ، وكان يكتب لإحدى المجلات ، وبدا لي أنه يسترزق من هذه الطريقة .
وذات مساء عاد وهو يحمل رزمة من الأوراق المالية ، وقال إنه باع مؤلفاً لأحد الناشرين ، ورأيته يخبئ المال تحت الفراش .
مضى على عملي لدى أنيل حوالي الشهر ، و رغم توفر فرص كثيرة لي فلم أعمل أي شيء يندرج تحت مهنتي كلصّ ، إنما كنت أوفر بعض المال أثناء شرائي الحاجيات من السوق .
أعطاني أنيل مفتاح الباب ، ولم أعرف في حياتي رجلاً مثله يعطي الناس ثقته ، وهذا هو الذي منعني من السطو على ماله .
قلت لنفسي : لقد حان الوقت لعملٍ جادّ ! ، فإذا لم أسرق ماله فإنه سيبدده على أصدقائه ، وخاصة أنه لا يدفع لي أي أجر على الإطلاق .
كان مستغرقاً في نومه ، فجلست على أرض الغرفة أفكر في الأمر : إذا أخذت المال فإني سألحق بقطار العاشرة والنصف المتجه إلى مدينة ( لكنؤ ) ، تسللت من فراشي وحبَوْتُ نحو السرير ، كان لا يزال يغط في نومه ، بدا لي وجهه صافياً و خالياً من أية تجاعيد بينما وجهي مليء بالتجاعيد وأكثرها آثار جروح .
اندسّتْ يدي تحت الفراش تبحث عن النقود ، وعندما عثرت عليها جذبتها دون إحداث أي صوت !!
زفر أنيل في نومه وانقلب على جنبه و أصبح مواجهاً لي ، فأجفلت وزحفت بسرعة خارج الغرفة .
ما إن وصلت الطريق حتى أخذت أركض ، إني أملك مالاً حول خصري مشدوداً بربطة سترة نومي ، ثم تمهّلت في ركضي وأخذَتْ أناملي تتحسس الأوراق المالية وتَعُدّها : 600 روبية من فئة الخمسين ، إنها حصيلة جيدة أستطيع أن أعيش بها عيشة الأمراء لمدة أسبوعين .
عند وصولي للمحطة لم أتوقف أمام شباك التذاكر ( حيث أني لم يسبق لي شراء أي تذكرة في حياتي ) بل انطلقت مباشرة نحو الرصيف ، وقد بدأ القطار بالتحرك ، وأخذت سرعته تزداد تدريجياً ، وكان بإمكاني القفز على إحدى الحافلات ، لكني ترددت لسببٍ لا أعلمه !! ، وضاعت مني فرصة الفرار .
غاب القطار عن نظري ووجدت نفسي وحيداً واقفاً فوق الرصيف المهجور ، لا أعلم أين أقضي ليلتي ، وليس لي أصدقاء لاعتقادي أنهم يسببون المتاعب أكثر مما ينفعون ، ولا أريد السكن في أي فندق جوار المحطة حتى لا أثير الشكوك حولي ، والشخص الوحيد الذي أعرفه جيداً قد سطوت على ماله .
غادرت المحطة واتجهت متباطئاً إلى السوق .
جاءني إحساس غريب ، وهو أن أنيل عندما يكتشف السرقة سيصيبه حزن عميق ، ليس لضياع ماله ؛ بل لضياع ثقته فيّ .
استرحت على مقعد خشبي بالشارع ، وبعد لحظات هطل رذاذ ثم ما لبث أن زاد ، و تبلّل قميصي ولصق بجسمي وأخذت الريح الباردة تتلاعب بالمطر فيصفع وجهي .
عدت للسوق وجلست تحت برج الساعة ، رأيت بعض المتسكعين والمتسولين يلتفّون بأغطية رقيقة ،دقت الساعة منتصف الليل فتلمّست الأوراق المالية فإذا هي مبلّلة .
خطرت لي فكرة مفاجئة ، قررت العودة إلى أنيل ، نهضت من مكاني ورحت أعدو في اتجاه مسكنه وأنا مضطرب جدّاً ؛ ذلك أن سرقة الشيء أسهل بكثير من إعادته بدون أن يشعر أحد !
فتحت الباب بهدوء ووقفت تحت نور القمر الغائم ، كان أنيل لا يزال مستغرقاً في نومه ، أخذت أحبو نحو مقدمة السرير وأخرجت رزمة النقود ،وقع زفير تنفس أنيل على كفّي فجمدْتُ لحظة ، وبعدها عثرت على حافة الفراش فدسست الرزمة تحته ، ونمت .
استيقظت صباحاً لأجد أنيل قد أعدّ الشاي ، مدّ يده نحوي وبين أصابعه ورقة من فئة خمسين روبية ، شعرت بقلبي يسقط هلعاً ؛ ظننت أن أمري قد انكشف ، لكنه أخبرني بأنه حصل أمس على بعض المال ، وأنه من الآن وصاعداً سوف يعطيني أجري بانتظام ، وعندما لامسَتْ يدي الورقة المالية كانت لا تزال مبلّلة من أثر المطر بالليلة السابقة .
كان يدري بكل ماحدث لكن لم تفصح شفتاه ولا عيناه عن أي شيء ، ابتسمت له بأشد ما أستطيع ، لكن ابتسامتي هذه المرة جاءت طبيعية .