في كتاب الاغاني لأبي فرج الاصفهاني نقرأ هذه الطرفه :
كان في بغداد رجل سيء الطالع لم يستقر في حياته على حال ولم يوفق في حياته الطويله بعمل يفي بحاجاته الحياتيه ويضمن له مستقبلا مستقرا وبعد تفكير طويل واستعراض كل مايمكن ان يخطر على باله من حلول ومقترحات تخرج به من حالته المترديه...استقر رأيه على احتراف الغناء...ومع انه لايمتلك ابسط مقومات هذه الحرفه اذا جاز لنا ان نسميها حرفه..
فقد حزم امره وراح يعرض خدماته على الناس ويتحين المناسبات العامه كالافراح وما اليها ليجرب موهبته عله يجد في هذه الحرفه مايوفر له لقمة العيش ويكفل له دخلا محترما يقيه غائلة الحاجه وتقلبات الايام ..وكان رغم سوء حالته وحاجاته الملحه للمال متسامحا في طلب الاجر وتحديده..وفي احيان كثيره لايشترط اكثر من دينار واحد لإقامة الحفله مهما امتدت ولكن ما أن يشرع في الغناء حتى تدب الفوضى ويصاب الحضور بما يشبه الذهول..فهذا يستغيث طالبا اسكات هذا المغني وذلك يلملم حاجاته ويتحفز لمغادرة الحفل..واخر ثالث يصب اللعنات على المغني وصاحب الحفل معا..ورابع يعمد الى سد اذنيه بطرفي اصبعي يديه ... وهكذا . كل هذا وصاحبنا مستمر في الغناء لا يأبه بتوسلات القوم واحتجاجهم وفجأة..تخطر لصاحب الحفل فكرة فيقوم ويناول المغني دينارين زيادة على الأجر عندها يتوقف هذا الصوت النشاز ويستريح الناس من صخبه وإزعاجه ..نعم انه يغني بدينار واحـــد ولكنه لا يسكت إلا بدينــارين..تماما كما هو الحال مع بعض الكتاب ممن امتطوا موجة الكتابه وامتهنوا رسالة الحرف ليوحولوها الى مجرد حرفه يبنون عليها حياتهم وامجادهم الشخصيه حتى لو كلفهم ذلك هدر حيائهم ودفق ماء الوجه ولا عجب ان ينبري واحدهم في المساء لشتم وتحقير من كان يمتدحه ويعظمه في الصباح ولا بئس من ان يغض الطرف عن قصر المسافه التي تفصل بين هذا الشتم وهذا المديح وما على القارئ المسكين إلا ان يضع اعصابه في ( افريزر ) ليتلقى هذا النتن الاعلامي كما لو كان ذرات من الجليد يتساقط على رأسه العاري تحت شمس الصيف المحرقه ..