طالب باستكمال أنظمته ومؤسساته قبل إقراره ..

الدوسري: التأمين الصحي يرفع تكلفة الخدمات الطبية ويهز ثقة المريض بالطبيب

- عثمان ظهير من الرياض - 27/08/1428هـ

شن متخصص في مجال الصحة هجوما على "التأمين الصحي"، وطالب باستكمال متطلباته النظامية قبل إقراره في المملكة، بل وجعله سببا لحدوث التمييز والطبقية في المجتمع وسببا لرفع تكلفة الخدمات الطبية بشكل عام.
في الحلقة الأولى نستعرض مع أستاذ اقتصاديات الصحة المساعد في جامعة الملك سعود الدكتور مسفر بن عتيق الدوسري سبب هجومه على التأمين، وما يراه عن تغيير العلاقة بين المريض والطبيب بسبب التأمين وانعدام ثقة الأول بالثاني، ثم في الحلقة الثانية نقف مع ردود الدوسري على من يرى أن التأمين يرفع الكفاءة الاقتصادية للقطاع الصحي، حيث يحصل المجتمع على أعلى إنتاج بأقل التكاليف أو إنه يوظف موارد القطاع الصحي التوظيف الأمثل.
يقول لـ "الاقتصادية" الدكتور مسفر بن عتيق الدوسري أستاذ اقتصاديات الصحة المساعد في جامعة الملك سعود إنه "مع تطبيق التأمين فمن المتوقع حدوث آثار أكثر سلبية، وذلك لأن التجربة التاريخية للمجتمعات التي طبقت التأمين تفيد أنها استكملت أولا تأسيس أنظمة التأمين ومؤسساته قبل التطبيق وهو ما تفتقده الكثير من الدول الأخرى قليلة الخبرة في مجال الخدمات الطبية".
ويضيف أن "هذه المتطلبات بالتأكيد خففت من الآثار السلبية للتأمين الصحي ولكنها لم تمنع حدوث الآثار السابقة ومن هذه المتطلبات ما يلي:
وجود تسعير للخدمات الطبية لمنع تلاعب المستشفيات وشركات التأمين بالأسعار، فيعرف المريض والطبيب والمستشفي وجميع أفراد المجتمع أن هناك سعر محدد ثابت لكل خدمة. ودون سعر مدروس محدد بشكل صحيح وواضح هل يمكن أن يطبق التأمين؟
لابد من تحديد الإجراءات الطبية لكل حالة طبية ولا تترك للاجتهادات المطلقة غير المبررة علمياً، فمثلاً لا يأتي رجل يشتكي من مغص بلا مبرر منطقي. إذا لا بد من تثبيت وتحديد الإجراءات بدقة مثلما يحدث في بعض البلدان ومنها اليابان، حيث يحق لكل شخص أن يطلب العلاج في أي مركز صحي أو أي طبيب ثم يحال الملف بالتشخيص والعلاج في أي مركز صحي أو أي طبيب ثم يحال الملف بالتشخيص والعلاج إلى لجنة طبية فنية تتأكد أن الإجراء الطبي الذي قدم لهذا المريض هو وفقاً للمعايير والإجراءات الطبية المعتمدة وبعدها يحال إلى لجنة مالية اقتصادية تقوم أن هذا الإجراء الذي كان صحيحاً وفق الإجراءات الطبية يستحق هذا المبلغ، وبعدها يصرف المبلغ إلى المستشفي أو الطبيب الذي قدم الخدمة. وفي هذا فصل بين مصلحة الطبيب المالية المباشرة ومصلحة المريض الصحية والمالية.
وجود نظام فني طبي رقابي كفء يضبط المخالفات ويمنعها وهو ما نفتقده والكثير من الدول البائسة، حيث لا تتوافر لدينا الأجهزة الرقابية الفنية القادرة علي تشخيص وضبط المخالفات الطبية والفنية لشركات التأمين والمستشفيات، حيث يعطي لكل ذي حق حقه. فعلى سبيل المثال، نظراً لتوافر الأنظمة والأجهزة، يحال ما يقارب 300 طبيب أمريكي سنوياً إلى القضاء بسبب المخالفات في ظل التأمين. وجود نظام قضائي عادل موثق به لفصل المنازعات الضخمة التي من المتوقع أن يولدها التأمين بين الشركات والمستشفيات من جهة وبين الشركات والمرضى من جهة وبين المستشفيات والمرضى والأطباء... إلخ. لئلا يتحول الوضع إلى مثل ما هو بين البنوك الربوية والقضاء، خاصة والتأمين الصحي لا تقتصر مشكلاته على الأموال بل يتضمن أيضا مشكلات في الأنفس والإعاقات وفقد الأعضاء وما إلى ذلك.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بحسب الدوسري هو "هل يصلح التأمين، مع افتقاد مثل هذه الأنظمة والمؤسسات، ومع الآثار التي توجد رغم توافر الأنظمة والمؤسسات، أن يتم تطبيقه"؟.

الطبيب وكيلاً لشركة التأمين
ويزيد الدوسري أن "بعض المتحمسين يذكر للتأمين الصحي عدداً من المبررات فدعونا نناقش طرفاً منها:
أولا: يقال أن التأمين الصحي يسهم في رفع كفاءة القطاع الصحي الفنية والطبية. وللجواب على هذا الوهم نقول: كيف للتأمين الصحي أن يرفع الكفاءة الفنية والطبية، وقد رأينا أنه يقلل من الخدمات المعروضة لأنه يستبعد الخدمات التي تكلف شركات التأمين أكثر، إذا هو لا يقدم كل أنواع الخدمات الأولية والثانوية والمتخصصة والوقائية والتوعية الصحية.
يقلل من الطلب، لأن الشخص لا يستطيع أن يطلب من مقدمي الخدمة خدمة لا يغطيها التأمين وأن يرفع المستوى العام لأسعار الخدمات الطبية سواء المؤمن عليها أو غيرها. كما يقل الطلب بسبب "نظام الاقتطاع"، حيث يجبر المريض على دفع نسبة إضافية من فاتورة العلاج.
كما إنه يهز ثقة المريض بالمستشفي والطبيب ويضغط على ذمة الطبيب ليعمل وكيلاً لشركة التأمين بدلاً من أن يعمل كما هي العادة لمصلحة المريض وهو ما يمليه عليه ضميره وأخلاقيات المهنة وخلقه ودينه والقسم الذي أقسم عليه.
ويتساءل "إذن أين الكفاءة الفنية والجودة المزعومة والنظام سيقود إلى تجريب كل الأدوية الممكنة على المريض المسكين قبل أن يحال إلى الاستشاري أو إلى الجرح أو إلى أي علاج متقدم مكلف؟
ومن جهة أخرى، يتم قياس كفاءة القطاع والنظام الصحي بمعايير دقيقة مثل نسبة الوفيات ونسبة الأمراض ونحوها. وكما مر سابقاً نجد أن كل واحد من هذه المعايير لا يتحسن في ظل التأمين والسبب في ذلك أن شركة التأمين تهدف إلى الربح عن طريق خفض ما ينفق على الصحة فقد يصل المريض إلى حالة متقدمة من المرض قبل أن يطلب العلاج ثم إذا طلب العلاج لا يذهب به إلى الأطباء والأدوية والمراكز الصحية وطرق العلاج وإنما سيجرب فيه كل دواء رخيص لعله يمكن من خلاله تفادي طرق العلاج المكلفة ولو كانت أنجح وأكثر نفعاً مؤكداً.
يقال إن التأمين مفيد لأنه يمكن أن يكون إلزاميا على الجميع دون استثناء، هذا نظرياً، أما عملياً فإن ما سيغطيه التأمين العام الإلزامي هو فقط ما يسمى بالخدمات الأساسية وهي لا تكفي كل الاحتياجات ثم يقدم بعدها خدمات متميزة أعلى جودة وفي مراكز طبية أفضل لأولئك الذين يستطيعون دفع أقساطا إضافية أعلى وهذه الأقساط عادة ليست في متناول الفقراء وربما حتى ذوي الدخول المتوسطة خاصة مع كبر حجم الأسرة، حيث تحتاج إلى مبالغ ضخمة إضافية إلى دفع قسط تلك الخدمات الأساسية الإلزامية.
وعليه – وطبقا للدوسري - فإن التمييز والطبقية حادثة لا محالة فتحول أفضل الخدمات والأجهزة والأطباء إلى طبقة صغيرة من أفراد المجتمع ويترك أولئك الضعفاء والفقراء لمراكز متدنية الخدمات كثيرة الازدحام منخفضة التكاليف وهي التي تحيل عليها شركات التأمين.
كما أن التأمين لا يغطي إلا الأمراض التي احتمال وقوعها ضعيف، أما الأخطار المحققة فلا يمكن أن يغطيها التأمين بل يرفضها، فمثلاً من كان عمره 65 سنة فإنه يستبعد من التأمين مع أنه في أشد الحاجة إلى الخدمات الطبية وكذلك أصحاب الأمراض الخطيرة بل إن تطعيمات الأطفال علي سبيل المثال، عادة تستبعد من التأمين رغم عظم منفعتها لأنها محققة الوقوع إذا كل طفل لابد له من تطعيم لا محالة وفي ذلك خسارة محققة لشركات التأمين فتستبعدها أن استطاعت لأن هدفها الربح لا منفعة الناس.

في الحلقة الثانية
الدوسري: التأمين لا يشمل المسنين والمعوقين وضحايا الحوادث والحروب والأمراض المزمنة والمرضى النفسيين ومرضى العقل فكيف يخفف العبء عن الحكومة؟