هذا مقال ارسلته لجريدة الاقتصادية منذ سنة تقريبا ولم ينشر

البريد والنقد البناء

في العددين 4513 و4515 بتاريخ 19/1/1427هـ و21/1/1427هـ في زاوية قهوة الصباح كتب الاستاذ/عبدالله باجبير مقالين انتقد فيهما زيادة الرسوم للصناديق البريدية وتقديم خدمة"واصل " وقبل الرد على المقالين المذكورين سوف نورد عدة نقاط توضيحية أولها وللأمانة فانا احد منسوبي مؤسسة البريد السعودي ولكن اكتب هذه السطور بصفتي مواطن محب لهذا الوطن أسعى لكل ما يسهم في مسيرته الحثيثة للرقي والتقدم وليس بصفتي احد منسوبي المؤسسة.
وثانيها أن ما سوف اكتبه ليس دفاعا عن رئيس مؤسسة البريد السعودي لسببين هما :-
1- أن شهادتي فيه مجروحة كوني احد منسوبي المؤسسة.
2- انه ليس في حاجة لدفاعي عنه فانجازاته قبل وبعد انضمامه لمؤسسة البريد السعودي هي من تدافع عنه ويشهد بذلك كل منصف.
أما فيما يخص المقالين فقد ورد في المقال المعنون بـ ( الطريق إلى جهنم ! ) اعتراض قوي للكاتب على زيادة رسوم الصناديق البريدية 300% من 100 ريال إلى 300 ريال في السنة , وأنا وبصفتي احد عملاء البريد ولدي صندوق مستأجر أضم صوتي إلى صوت الكاتب المقال وأتصور أن كل من لديه صندوق بريد يوافقه الرأي بل وأكثر من ذلك أتمنى أن يتم تخفيض الرسوم للصناديق البريدية بدل من زيادتها أو حتى إلغائها وتقديمها لنا بالمجان وأيضا تخفيض او إلغاء جميع الرسوم الأخرى وإلغاء او تخفيض أسعار جميع السلع والخدمات في جميع الأسواق وهذا يسمى (رغبة المستهلك ) لكنه يخضع لقيود تفرض على مقدم الخدمة وهي المقارنة بين التكلفة والعائد على تقديم الخدمة واقل ما يمكنه ان يقبل به مقدم الخدمة هي الوصول الى نقطة التعادل (أي ان تتساوى تكلفة تقديم الخدمة مع العائد ) وهنا يقرر مقدم الخدمة ما هي الأسعار التى يمكن ان يقنع بها اكبر عدد من المستهلكين حتى يصل الى نقطة التعادل او أعلى منها وهذا الأمر لا يتم الا بعد دراسة معمقة فهو قرار يمكن تخسر به مؤسسة البريد السعودي الكثير من أصحاب الصناديق أذا كان السعر مبالغا فيه وغير مجدي للمستهلكين وان الخدمة لا تستحق الرسوم التى سوف يدفعونها بعد التعديل ولا يمكن ان يتم هذا الامر بناء على قرار ارتجالي كما يتصور كاتب المقال , والقاعدة الإسلامية وهي قبل كل قاعدة اقتصادية أخرى وهي ( لا ضرر ولا ضرار ) ثم القاعدة الاقتصادية لحركة السوق وهي قاعدة ( العرض والطلب ).
(مع العلم أننا لم نهمل ما اذا كانت هناك احتكار لمؤسسة البريد السعودي لهذا المجال وان هذا يلغي فعالية قاعدة العرض والطلب ).
أما لماذا ألان ؟
بالسبب واضح جدا فالبريد السعودي وبعد ان كان مدعوما من الدولة وكان يقدم خدمات شبة مجانية حيث الإيرادات لا تكاد تغطي الا جزء يسير من نفقاته وهو ألان يمر بمراحله التحول من القطاع الحكومي الى القطاع الخاص ويجب عليه في هذه المرحلة ان يصل على الأقل إلى نقطة التعادل وهي ان تتساوى الإيرادات مع تكاليف تقديم الخدمة قبل تحويله الى شركة مساهمة وهذا الكلام تم التصريح به كثيرا ونشر في الجرائد ورئيس المؤسسة مطالب من قبل من هم أعلى منه بالوصول الى هذه الدرجة والتي يجب عليه فيها استصدار قرارات سواء بالنسبة للرسوم او غيرها حيث يقدم الخدمة بأسعار عادلة لان غير ذلك سوق يؤدي بالعملاء للبحث عن بديل أخر وهذا لا يخدم المؤسسة وهذا الأمر لا يخص رئيس مؤسسة البريد فقط بل هي المهمة الأولى لكل مدير منشاة .
وهنا نقطة أخيره حتى لا نطيل فان رسوم الصناديق البريدية السابقة من فترة طويلة وهي على هذه الاسعاروان كنت لست متأكد من بدايتها فهي منذ عدة عقود وربما فكر كاتب المقال ان تستمر هذه الرسوم خمسين او مائة سنة أخرى قبل التفكير في زيادتها ولا يخفى على كاتب المقال ان النقد يتضخم كل عام ( أي تقل القيمة الشرائية للريال من عام لاخر ) وان مائة ريال العام السابق لها قيمة اكبر من مائة ريال هذا العام وهي قاعدة نقدية معروفة .
فهل هناك خدمة او سلعة غير مدعومة من الدولة لم تزد تكلفة الحصول عليها خلال عدة عقود ومنا شركات النقل وجميع المواد والأدوات المستخدمة حتى تصل الرسالة الى صندوق البريد وهي كلها تكاليف تتحملها المؤسسة .
والنقطة الأخرى التى يجب ان لا تهمل هي هل سبب الزيادة في رسوم الصناديق البريدية هو احتكار مؤسسة البريد السعودية لتقديم خدمة الصناديق البريدية على مستوى المملكة وعدم وجود منافس لها , فهل هذا هو السبب الذي دفعها لزيادة الرسوم؟
ولتعرف الإجابة يجب مقارنة الرسوم بعد التعديل مع الخدمات الأخرى المقدمة مثل الكهرباء والهاتف والجوال , حيث انه تم اضافة رسوم 10 ريالات شهريا لكل عداد كهرباء هذا خلاف رسوم استهلاك الكهرباء ؟ اما الهاتف فهناك رسوم 60ريال كل شهرين ( 30 ريال كل شهر ) خلاف رسوم المكالمات وكذلك الجوال فهناك 70 ريال رسوم تقديم الخدمة على الأقل كل شهرين (35 ريال كل شهر ) خلاف تكلفة المكالمات ويمكن ان يكون في البيت الواحد اكثر من عداد كهرباء واكثر من هاتف ثابت واكثر من جوال بينما مستأخر صندوق البريد يدفع مبلغ 25 ريال شهريا (300ريال /12شهر ) وهو مبلغ مقطوع سواء استقبل صاحب الصندوق خلال الشهر 100 رسالة او مائة الف رسالة او اكثر ويكفي صندوق بريد واحد لكل بيت ( صاحب الصندوق + 10 اشخاص ) وايضا يمكن مقارنة رسوم الصناديق بعد العديل مع رسوم الصناديق للبلدان المجاورة والتى يقارب دخل الفرد السنوي فيها دخل المواطن السعودي.
اما ما اورده الكاتب في مقالته (.. وهو قرار او مرسوم لم يعرض على الجهات المسئولة في المملكة ).
فهنا نورد سؤالا وهو هل زيادة الرسوم تحتاج الى قرار من جهة تشريعية ام جهة تنفيذية؟
اذا كانت تحتاج الى قرار من جهة تنفيذية وكان صاحب الصلاحية رئيس مؤسسة البريد او وزير الاتصالات وتقنية المعلومات وقد اتخذ القرار بموجب الصلاحية الممنوحة له فكيف يتم تحصين القرارات والقوانين والرسوم من الطعن والنقد والهجوم كما يقول الكاتب في مقالة وقد تم اصدار القرار بحسب الطريقة القانونية المتبعة.
واذا كان يحتاج اصدار القرار الى جهة تشريعية والمتمثلة في مجلس الوزراء فهل يعقل ان يتم اصدار قرار تشريعي من جهة تنفيذية.
فانا لست على علم بالطريقة المتبعة في مثل هذه الامور وليس عيب اذا كنت لااعلم ان اقول لا اعلم .
واما ما يخص المقال الاخر ( ثقافة صناديق البريد! )
فقد ورد في المقال ( ثم فرضت دخول " واصل " الى بيوت المواطنين دون استئذان ..) وهنا حتى لا يكون هناك لبس على القارئ وحتى لا نستصغر عقول الاخرين نود ان نعرف من الكاتب اين تم تركيب صناديق خدمة " واصل " ؟ وهل يتم تركيبها في صالة الجلوس في البيت من الداخل ام تعلق على السور من الداخل ؟ ام انها تركب خارج البيت استعدادا لتقديم الخدمة .
وقد ورد في المقال ( .. فلماذا قام المواطنون بتكسير صناديق " واصل " هذا هو السؤال الذي اجابته ببساطة انهم يرفضون هذه الصناديق ..)
فهل تصرف مجموعة من الصبية او البالغين او حتى بعض اصحاب المنازل يعبر عن راي مجتمع يشتمل على مئات الالاف من المثقفين والجامعيين والنخب ؟ وهل اسلوب التحطيم هو الاسلوب الصحي والسليم لمعالجة أي مشكلة تواجه مجتمعنا ( وهذه التى قصدها رئيس المؤسسة بأن ما حصل نتاج ثقافة خاطئة وهي ثقافة التحطيم والكسير وليس ثقافة الصناديق كم تصور الكاتب ).
وحتى لو فرضنا ان الطرف الاخر وهو مؤسسة البريد كانت على خطا في أسلوبها في طريقة تقديم خدمة " واصل " فليس هذه هي الطريقة الصحيحة لمعالجة مشاكلنا , وهل كاتب المقال سوف يستخدم اسلوب التحطيم في حال قامت مؤسسة البريد بتركيب صندوق خدمة " واصل" في بيته ؟
اتصور انه اكبر من ذلك ويعرف ان هناك اساليب حضارية وقانونية تتبع في مثل هذه الحالات.
وان كان التحطيم والتكسير يعنى رفض الخدمة . فهذا ليس دليلا على عدم فائدة الخدمة المقدمة وكلنا نرى ونقرا عن تكسير وتحطيم مرافق عامة مثل الحدائق وأيضا بعض حالات التحطيم في المدارس والنوادي الرياضية , فهل نقوم بإزالة الحدائق العامة ونغلق المدارس والنوادي وأيضا عمليات رمي الأوراق والعلب الفارغة في الشوارع والأماكن العامة من قبل بعض المواطنين فهل نزيل براميل وحاويات القمامة من الشوارع لأنه وبكل بساطة ان المواطنين قالوا كلمتهم وهم يعبرون عن رأي أفراد المجتمع بجميع فئاته وشرائحة!!.
وأسلوب الرفض لما هو جديد من بعض فئات المجتمع هو ردة فعل طبيعة ( الناس أعداء ما جهلوا ) والأمثلة على ذلك أكثر من ان تحصى , منها بداية تعليم الأولاد في المدارس ثم تعليم البنات في المدارس الحكومية وذهاب الفتاة للجامعة ودخول النساء مجال العمل وأيضا الهاتف والتلفاز وغيرها كثير واخرها الانترنت , وكلها أمور كانت مرفوضة من بعض فئات وشرائح المجتمع السعودي وأصبحت اليوم أمور لا يمكن الاستغناء عنها.
وأخيرا فان الأستاذ/ عبدالله باجبير عبر عن رأيه ولا نشك في حسن نيته وان هدفه من ذلك هو الصالح العام والرقي والتقدم لما فيه مصلحة الوطن والمواطن.
ونذكره بالمثل المشهور والذي استشهد به في مقالة ( أن الطريق إلى جهنم مفروش بالنيات الحسنة أيضا ) .
ونقول له فيما يخص خدمة " واصل " اذا كنت تفضل الذهاب الى النهر لإحضار الماء الى بيتك فلا تجبرني على الاقتداء بك فانا أفضل الحصول على الماء من الصنبور وانا في بيتي.


عبدالله سلمان