ضمير متصل من المخجل جداً أن يصل بنا الحد إلى درجة إشغال سماحة المفتي العام بالحديث والفتوى في همجية ثلة تخصصت في تحطيم صناديق بريد - واصل - على أبواب البيوت والمؤسسات العامة والخاصة. هذه ثقافة بلطجة، وإلا فماذا سيستفيد شاب من صندوق بريد كي يدميه بالهراوة؟ وذات مرة اشتكى لي زميل من نزوات بعض شباب الحي الذي يسكن فيه حين تخصصوا في تكسير مصابيح الإنارة بالشارع، ناهيك عن أخينا الذي قاطع مسجد الحي لأن الآباء لم يحركوا ساكناً تجاه عربجية بعض أولادهم التي وصلت حد العبث بممتلكات المسجد ولوازمه. وإذا افترضنا أن للجرائم دوافع تقود صاحبها إلى فوائد، كالسرقة مثالاً، إلا أنني أعجز عن تفسير ظاهرة مثل تكسير صندوق بريد أو رجم عمود للنور أو العبث، لمجرد العبث، بشيء من إكسسوارات الخدمات العامة. هذه أمراض ذات فيروس محلي بحت، فقد طفت جهات الدنيا ولكنني لم ألمح أو أقرأ أن مجتمعاتها تشكو مثل هذه السادية العبثية. وذات يوم ليس ببعيد، قبضنا على ثلة أخرى، تخصصت في خربشة الجدران وتشويه الجسور والأسوار برسوم نشاز شاذة، لكن أذهاننا تفتقت عن وسيلة لمكافأة الشلة بتحويلهم إلى نجوم مقابلات على الشاشة الرسمية بدعوى احتواء موهبتهم وتسخيرها نحو الصالح العام بالإفادة من - شخابيطهم - على أسوار وجسور محددة. قاتل الله بعض فلسفة التربية وبعض دهاليزها التي تجد تفسيراً لسلوك عبثي ثم تعطيه المبرر. المصيبة أننا لم نوقف رسوم العبث لأن تحويل - الشاذ - إلى بطل تلفزيوني، حوله إلى رمز وقدوة ولو أننا أدخلناهم بدلاً من هذا مصحة عقلية لا يخرجون منها إلا وقد دفعوا، ولو من حسابات آبائهم، ثمن ما اقترفوه، وأعادوا - بالقوة - طلاء ما سودوه بالأبيض أمام الملأ وأحيلوا إلى المحكمة ليأخذوا جزاء العبث بالمال الخاص والعام لكان فيهم عبرة لغيرهم. العبث لا يقابل وحده بمصدات التربية، بل بالحساب ومن ثم التربية وفلسفتها وأحياناً قد يكون الحساب وحده أولى خطوات التربية. هؤلاء يعبثون لأننا ثقافة بلا عقاب ولأننا وهذا الأهم ثقافة بلا ترسيخ للولاء للمنتج. لم نصنع بأنفسنا صندوق بريد ولم نحفر لعمود النور ولم نرصف الطريق ولم نغرس به شجرة ولم نبن جدران مدرسة ولم نركب لوازم حمام ولم نضرب مسماراً في مشروع ولهذا لا نشعر بلذة العرق ولا نشم رائحتنا في كل ما حولنا. نحن في تفرغ كامل للعبث. الكاتب / على سعد الموسى almosa@alwatan.com الوطن 209/2007م العدد 2547