زيادة المرء في دنياه نقصان *** وربحه غير محض الخير خسران
وكل وجدان حظ لاثبات له *** فإن معناه في التحقيق فقدان
يا عامرا لخراب الدار مجتهدا *** بالله هل لخراب العمر عمران
ويا حريصا على الأموال تجمعها *** أنسيت أن سرور المال أحزان
زع الفؤاد عن الدنيا وزينتها *** فصفوها كدر والوصل هجران
وأرع سمعك أمثالا أفصلها *** كما يفصل ياقوت ومرجان
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *** فطالما استعبد الإنسان إحسان
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته *** أتطلب الربح فيما فيه خسران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها *** فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
وإن أساء مسيء فليكن لك في *** عروض زلته صفح وغفران
وكن على الدهر معوانا لذى أمل *** يرجو نداك فإن الحر معوان
واشدد يديك بحبل الله معتصما *** فإنه الركن إن خانتك أركان
من يتق الله يحمد في عواقبه *** ويكفه شر من عزوا ومن هانوا
من استعان بغير الله في طلب *** فإن ناصره عجز وخذلان
من كان للخير مناعا فليس له *** على الحقيقة إخوان وأخدان
من جاد بالمال مال الناس قاطبة *** إليه والمال للإنسان فتان
من سالم الناس يسلم من غوائلهم *** وعاش وهو قرير العين جذلان
من كان للعقل سلطان عليه غدا *** وما على نفسه للحرص سلطان
من مد طرفا لفرط الجهل نحو هدى *** أغضى على الحق يوما وهو خزيان
من عاشر الناس لاقى منهم نصبا *** لأن سوسهم بغى وعدوان
ومن يفتش عن الإخوان يقلهم *** فجل إخوان هذا العصر خوان
من استشار صروف الدهر قام له *** على حقيقة طبع الدهر برهان
من يزرع الشر يحصد في عواقبه *** ندامة ولحصد الزرع إبان
من استنام إلى الأشرار نام وفي *** قميصه منهم صل وثعبان
كن ريق البشر إن الحر همته *** صحيفة وعليها البشر عنوان
ورافق الرفق في كل الأمور فلم *** يندم رفيق ولم يذممه إنسان
ولا يغرنك حظ جره خرق *** فالخرق هدم ورفق المرء بنيان
أحسن إذا كان إمكان ومقدرة *** فلن يدوم على الإحسان إمكان
فالروض يزدان بالأنوار فاغمة *** والحر بالعدل والإحسان يزدان
صن حر وجهك لا تهتك غلالته *** فكل حر لحر الوجه صوان
فإن لقيت عدوا فألقه أبدا *** والوجه بالبشر والإشراق غضان
دع التكاسل في الخيرات تطلبها *** فليس يسعد بالخيرات كسلان
لا ظل للمرء يعرى من تقى ونهى *** وإن أظلته أوراق وأفنان
والناس أعوان من والته دولته *** وهم عليه إذا عادته أعوان
سحبان من غير مال باقل حصر *** و باقل في ثراء المال سحبان
لا تودع السر وشاء يبوح به *** فما رعى غنما في الدو سرحان
لا تحسب الناس طبعا واحدا فلهم *** غرائز لست تحصيهن ألوان
ما كل ماء كصداء لو ارده *** نعم ولا كل نبت فهو سعدان
لا تخدشن بمطل وجه عارفة *** فالبر يخدشه مطل وليان
لا تستشر غير ندب حازم يقظ *** قد استوى فيه إسرار وإعلان
فللتدابير فرسان إذا ركضوا *** فيها أبروا كما للحرب فرسان
وللأمور مواقيت مقدرة *** وكل أمر له حد وميزان
فلا تكن عجلا بالأمر تطلبه *** فليس يحمد قبل النضج بحران
كفى من العيش ما قد سد من عوز *** ففيه للحر إن حققت غنيان
وذو القناعة راض من معيشته *** وصاحب الحرص إن أثرى فغضبان !
حسب الفتى عقله خلا يعاشره *** إذا تحاماه إخوان وخلان
هما رضيعا لبان حكمة وتقى *** وساكنا وطن : مال وطغيان
إذا نبا بكريم موطن فله *** وراءه في بسيط الأرض أوطان
يا ظالما فرحا بالعز ساعده *** إن كنت في سنة فالدهر يقظان
ما استمرأ الظلم لو أنصفت آكله *** وهل يلذ مذاق المرء خطبان
يا أيها العالم المرضي سيرته *** أبشر فأنت بغير الماء ريان
ويا أخا الجهل لو أصبحت في لجج *** فأنت ما بينها لا شك ظمان
لا تحسبن سرورا دائما أبدا *** من سره زمن ساءته أزمان
إذا جفاك خليل كنت تألفه *** فاطلب سواه فكل الناس إخوان
وإن نبت بك أوطان نشأت بها *** فارحل فكل بلاد الله أوطان
يا رافلا في الشباب الرحب منتشيا *** من كأسه هل أصاب الرشد نشوان
لا تغترر بشباب رائق نضر *** فكم تقدم قبل الشيب شبان
ويا أخا الشيب لو ناصحت نفسك لم *** يكن لمثلك في اللذات إمعان
هب الشبيبة تبدي عذر صاحبها *** ما عذر أشيب يستهويه شيطان
كل الذنوب فإن الله يغفرها *** إن شيع المرء إخلاص وإيمان
وكل كسر فإن الدين يجبره *** وما لكسر قناة الدين جبران
خذها سوائر أمثال مهذبة *** فيها لمن يبتغي التبيان تبيان
ما ضر حسانها والطبع صائغها *** أن لم يصغها قريع الشعر حسان

أبو الفتح البســتي