بداح العنقري رجل من الحاضرة يسكن في احدى القرى ولديه محل لبيع المواد الغذائية والكسائية وكان يتحلى بدماثة الخلق والطيب والكرم والرجولة، وكان أهل البادية في فصل الصيف يقطنون بالقرب من القرى وآبار المياه وكان الغالبية منهم أصدقاء للعنقري حيث يشترون منه ما يحتاجونه وهو يمهل عليهم في السداد إذا تعسرت أمورهم، وكان أهل البادية يكنون للعنقري كل الاحترام والتقدير، وذات مرة أتت بعض بنات البادية لمحل العنقري لشراء بعض المستلزمات فتعلق قلبه بواحدة منهن بدون أن تدري هي عن ما يختلج في قلبه، وحين جاء موسم الأمطار رحلت قبيلة الفتاة إلى مرابعها وبعد فترة لحق بهم بداح العنقري ليخطبها من والدها الذي رحب به ووافق بشرط أن يؤخذ رأي الفتاة، وحين سألها والدها رفضت هذه الخطبة لأن هذا رجل من الحاضرة لا يعرف عن القتال والفروسية شيئا وهي تريد فارسا يحمي قومها وحلالهم من الأعداء، فسمع العنقري هذا الجواب فقرر الرحيل والعودة لدياره، وشاءت الصدف أن شنت عليهم احدى القبائل غارة قبل أن يغادر بداح العنقري وكان الهجوم عنيفا من الأعداء ولم يستطع فرسان القبيلة أن يصدوه، فركب بداح العنقري فرسه وأخذ سيفه ورمحه وقاتل بشراسة واستبسال حتى استطاع أن يرد القوم الغازية وأسترد الحلال منهم فأنشد يقول
الله لحد يامـا غزينـا وجينـا
وياما ركبنا حاميات المشاويـح
وياما على أكوارهـن اعتلينـا
وياما ركبناها عصيرٍ مراويـح
وياما تعاطت بالهنـادي ايدينـا
وياما تقاسمنا حلال المصاليـح
وراك تزهد يا اريش العين فينا
تقول خيّال الحضر زين تصفيح
الطيب ماهو بـس للضاعنينـا
مقسّمٍ بيـن الوجيـه المفاليـح
البدو واللي بالقـرى ساكنينـا
كلٍ عطاه الله من هبـة الريـح
يوم الفضول بحلّتـك شارعينـا
بالشلف ينحونك سواة الزنانيح
يوم انجمر رمحي خذيت السنينا
واودعت عنك الخيل صمٍّ مدابيح
هيّا عطينا الحق هيّـا عطينـا
وان ما عطيتنـاه والله لصيـح
أصيح صيحة من غداله جنينـا
وألا خلوج ٍ ضيعوها السواريح
يا عود ريحان ٍ بعرض البطينا
منين ماهب الهوى فاح له ريح
لا خوخ لا رمان لا هوب تينـا
لا مشمش البصرة ولاهن تفافيح
وخدٍ كما قرطاسةٍ فـي يمينـا
وعيون نجلٍ للمشقّـى ذوابيـح
ويا أبو نهود تقل فنجال صينـا
لا بقاتٍ للقلب المشقّى ذوابيـح
صخفٍ بلطف ٍبانهـزاع ٍ بلينـا
يا غصن موز ٍ هزّه ناعم الريح
وبعد أن رأت الفتاة فعل بداح بالقوم الغازية وشجاعته وفروسيته النادرة ندمت على رفضها الزواج منه ويقال بأنها أرسلت له تتأسف منه وتريده زوجا لها إلا أن بداح العنقري أبت عزة نفسه وكرامته أن يعود لها بعد أن رفضته وعاد لقريته