المناعي : التضخم في الخليج يزيد 10 أضعاف على المعدل العالمي
الاقتصادية 30/11/2007
أكد الدكتور جاسم المناعي، المدير العام ورئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، أن مشكلتي التضخم وأسعار الصرف في دول مجلس التعاون الخليجي هما مشكلتا الساعة، والجميع يعايش مشكلة التضخم وتبعاتها المضرة بالاقتصاد الوطني، ووضع الأفراد. وأشار إلى أن نسبة التضخم في دول الخليج بلغت معدلات عالية خلال العقد الأخير وصلت إلى نسبة 20 %، في حين معدلات التضخم العالمية لا تتجاوز الـ 2%.
ونصح المناعي دول التعاون بالتنسيق فيما بينها لربط عملتها الوطنية بسلة عملات قائمة على الشركاء، مشيرا إلى أن نظام الصرف الثابت في دول الخليج والمرتبط بالدولار لا يتيح المرونة المطلوبة للتحكم في السيولة النقدية، ولا يسمح بالتحكم في سعر الفائدة كونها مرتبطة بعملة الربط.
وأوضح المناعي في محاضرة ألقاها في المجمع الثقافي في أبو ظبي أمس أن التضخم بدأ في دول الخليج مع زيادة أسعار النفط، وأصبحت المؤسسات التي تبيع المشتقات البترولية مضطرة إلى رفع الأسعار لتغطية نفقاتها، وكان هذا بداية لمشوار التضخم، وعندما تكرست ميزانيات كبيرة لدول الخليج بدأ الإنفاق الكبير على المشروعات الضخمة (عقارات، مجمعات سكنية)، وتفاقمت الظاهرة مع زيادة الطلب على النفط، وانعكست زيادة أسعار النفط على جميع القطاعات الخدمية والإنتاجية وأصبحت المؤسسات المنتجة تتكلف أكثر وخصوصا بعد انخفاض سعر الدولار، وهذا كله أسهم في ارتفاع معدلات التضخم .
ومن نتائج التضخم، حسب الدكتور المناعي، انخفاض القوة الشرائية، والضغط الكبير على الأجور والرواتب، وهو عنصر من عناصر التكاليف والذي يدخل في التضخم من جديد، وبذلك ندور في حلقة مفرغة، إضافة إلى أن التضخم يؤدي إلى تآكل المدخرات، وتشويه توظيف الموارد الاقتصادية، ويضعف قدرة الاقتصاد على المنافسة، والسؤال المهم هو ما العمل؟
وبخصوص علاقة التضخم بسعر الصرف أشار المناعي إلى أن إدارة الاقتصاد تقوم على ركنين أساسيين هما: السياسة المالية، والسياسة النقدية، ومن خلال هاتين السياستين يمكن ضبط الاقتصاد، والسياسة المالية تعني التقليص من الإنفاق، وهذا ممكن لكن الإشكالية في السياسة النقدية وسعر الصرف، إذ إن نظام الصرف الثابت في دول الخليج والمرتبط بالدولار لا يتيح المرونة المطلوبة للتحكم في السيولة النقدية، ولا يسمح بالتحكم في سعر الفائدة كونها مرتبطة بعملة الربط، وإزاء هذا الوضع، ما الحل؟
أوضح المناعي أن تجارب العالم تثبت أنه لا يوجد سعر صرف صالح لكل زمان ومكان، وليس علينا أن نبقى على هذا النظام (الثابت لسعر الصرف) مدى الحياة، لا بدّ من مراجعة السياسات الاقتصادية، والعمل على توفير مرونة أكبر للسياسات النقدية، ويجب الحذر من خطورة التحرك المفاجئ ويجب أن يتم الانتقال إلى نظام جديد على مراحل، ولدينا بدائل يمكن اللجوء إليها أولها نظام التعويم المدار، والذي تستخدمه عدد من الدول العربية (تونس، مصر، الجزائر)، ونظام ربط عملاتنا بسلة عملات عبارة عن كوكتيل من العملات (مثل تجربة دولة الكويت)، إضافة إلى نظام الربط بسلة عملات قائمة على الشركاء الاقتصاديين وهذا النظام قد يكون الأكثر ملاءمة لدول مجلس التعاون الخليجي. كما نصح الدكتور المناعي دول مجلس التعاون الخليجي بالتنسيق فيما بينها بهذا الشأن من أجل العمل بنظام موحد تجنباً للمشكلات التي يمكن مواجهتها في المستقبل، وخصوصاً تلك المرتبطة بمشروع العملة الخليجية الموحدة.
وفي سياق متصل تكف الحديث في الأوساط المصرفية الإماراتية عن احتمال أن تقدم الإمارات، بالتنسيق مع دول مجلس التعاون الأخرى، على فك الارتباط بالدولار، واتخاذ مثل هذا القرار في القمة الخليجية المقرر عقدها في 3 و4 كانون الأول (ديسمبر) المقبل في الدوحة.
وعمليا فتح هذا النقاش على نطاق واسع في الإمارات منذ أن أطلق محافظ مصرف الإمارات المركزي عدة تصريحات أخيرا عن مواجهة الإمارات لضغوط اجتماعية تطالب بفك ارتباط الدرهم بالدولار المتراجع على أمل أن تسهم الخطوة بالتقليل من آثار التضخم وبتطويق موجة الغلاء التي تجتاح الإمارات خصوصا في قطاع الإيجارات.
وأصدر مصرف الإمارات المركزي شهادات إيداع بالدرهم والدولار واليورو، بدءاً من البارحة الأولى، من طريق المزاد للمصارف العاملة في الإمارات لفترات استحقاق تمتد من أسبوع واحد إلى خمس سنوات، لتلبية حاجات المصارف. واستبعد خبراء مصرفيون في أبو ظبي أن يكون لخطوة المصرف المركزي الإماراتي، أي تأثير مباشر في سعر صرف الدولار في مقابل الدرهم الإماراتي، وعد مجرد خطوة عملية تختص بعمليات الائتمان المصرفي بين المصارف وزبائنها أو بين المصارف والمصرف المركزي.
وكان المصرف المركزي في أبو ظبي يصدر شهادات إيداع للمصارف بالدولار، ويحدد الفوائد عليها مقتفياً خطوات مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي في خفض أسعار الفائدة على الدولار أو رفعها.
وأكد المركزي الإماراتي في بيان أن الهدف من هذه الخطوة تطوير السوق المالية المحلية وتعميقها، واستحداث منحنى عائد حقيقي للدرهم يُسترشد به في الأسواق المالية. وأوضح أن نظام الإصدار الجديد سيمكّن المصارف المالكة شهادات إيداع من المصرف المركزي، من تعزيز درجة السيولة لديها بالقيام بما يسمى اتفاق إعادة الشراء (الريبو) معه، وهي بمثابة إقراض مؤقت للدرهم في مقابل رهن شهادات الإيداع.
وعد مصرفيون في أبو ظبي أن إصدار المصرف المركزي في أبو ظبي شهادات إيداع بالدرهم والدولار واليورو، لن يكون له أي تأثير في سعر الصرف. واستبعد بعضهم أن تقوم القمة الخليجية القادمة في الدوحة باتخاذ قرار فوري بفك ارتباط عملاتها الوطنية بالدولار، مشيرين إلى أن أقصى ما يمكن أن تفعله دول التعاون في هذا الصدد هو زيادة أسعار عملاتها من 2 إلى 5 في المائة على المديين المتوسط والبعيد، وفي حال اتخاذ قرار بفك ارتباط العملات الخليجية بالدولار، سيتعرض الاقتصاد الأميركي إلى هزات عنيفة لا يمكن التنبؤ بتبعاتها.