كلمة الرياض
لماذا تفشل أجهزة الرقابة الحكومية؟!
يوسف الكويليت
في معظم الوزارات والدوائر الحكومية الأخرى، توجد أقسام للتفتيش الإداري، وهي معنية بالتحقيقات والمراجعات لمختلف التجاوزات الإدارية والمالية، لكنها في الواقع الحقيقي ليست أكثر من مدقق في دفاتر الحضور والغياب، وخاصة نهاية إجازات الأعياد أو المناسبات والتي تعلن هذه الأقسام حالة الطوارئ، وهو أمر شائع، وقد تتعاون في هذه الحملة هيئة الرقابة والتحقيق، ورغم وجاهة هذا العمل إلا أنه لا يدوم، ولا يتفاعل مع ما هو أهم بأن تكون تلك الإدارات تملك اختصاصيين مؤهلين لديهم مراكز بحث وتحرٍ ومعلومات تقيس مدى انتاجية الموظف وانضباطه، ودوره في الإنجاز وتطبيق نظم أكثر حيوية ومرونة، بل إن موظفي تلك الأقسام هم من يتهيأون للتقاعد المبكر أو الرسمي، حتى أن هناك من أطلق عليهم "منفى العجزة من الموظفين" وهو أمر مؤسف في قطاعات كان من المفترض أن تواكب حركة التطور، وخلق بيئات عمل تناغم القطاع الخاص والشركات والبنوك الكبرى..
يوازي تلك الأقسام والمكاتب للتفتيش الإداري جهازا هيئة الرقابة والتحقيق وديوان المراقبة العامة، وهما مجرد هيئتين معنويتين في أدائهما وتوصياتهما ، وحتى الجزاءات الموصى بها من قبل الادارات القانونية، وأجهزة الرقابة والرصد والملاحقات الإدارية على مختلف الدوائر الحكومية الأخرى، ورغم شغل الكراسي العليا في الهيئة والديوان بشخصيات مرموقة وعلى درجة عالية من النزاهة والاستقامة، وحتى الكفاءة، ومحاولة تفعيل الدور المناط بهما، إلا أن المشكل ليس بتوفر تلك الامكانات البشرية والإدارية، وإنما بالعلاقة المختلة بينهما وبقية الجهات الحكومية الأخرى، إذ إن بعض الوزارات لا تلتفت إلى أي حكم صادر منهما إلا في القليل وغير المؤثر، وهناك وزارات ترى نفسها فوق المساءلة ولذلك لم نجد مسؤولاً رفيعاً تجاوز النظام تعرض للتحقيق أو المثول أمام أي من الجهتين الرقابيتين، عكس ديوان المظالم الذي يفصل في أمور كثيرة وحساسة والذي يستمد قوته من أن المعروض عليه من القضايا إما فردية، أو شبه جماعية أهلية، أو نزاعات بين شركات ومؤسسات كقضايا مخالفات المساهمات بالأراضي، أو الفصل التعسفي من قبل جهة ما، لكن في حال ديوان المراقبة، وهيئة الرقابة والتحقيق، تبقى الأمور متروكة في تنفيذ الأحكام لمنبع القضية، أي الادارة أو الوزارة الحكومية المرتبطة عضوياً بجهازي التحقيق والمراقبة، وعدم تفعيلهما لا يعود لنقص في البناء القضائي لهما، وإنما بتبعيتهما التي لا تجعلهما مستقلين، وتحت إشراف وقوة نفوذ السلطة العليا في الدولة حتى تكون قراراتهما حاسمة ومفعلة بقوة التشريعات والأحكام الصادرة منهما..
وإذا كان لدينا الكثير من التجاوزات في الفساد المالي والتسيب الإداري، والرشوة وتعطيل الأعمال بما فيها المشاريع الاستراتيجية، واعتبار بعض الوزراء وما دونهم غير خاضعين للمساءلة، فإنه لابد من إعادة النظر في أهم جهازين باعطائهما كافة الصلاحيات حتى نوازن بين أعمالنا وأفعالنا وأمانتنا التاريخية أمام الوطن وسلطاته العليا..