من الأشياء العجيبة والغريبة في حياتنا.. أننا دائماً ننتقد ونوجه سهام النقد لأي شيء مهما كان جميلاً.. دائماً ننظر إلى النصف الفارغ من الكأس.. دائماً تنهال سهام نقدنا الجارحة بمبرر وبدون مبرر.. لأي شيء قبيح.. وأي شيء جميل.. وبهذا أصبح النقد والانتقاد لا قيمة له.. بل هو حاجة ملحة لأن نعلن للآخرين أننا أذكياء ونستطيع أن نكون أفضل من الآخر.. والعجيب والغريب أنه إذا عمل أحد منا عملاً (مبنى مثلاً)، فإننا لا ننظر إلى جماله وإنما نحاول البحث عن العيوب فيه مهما كانت الأسباب وإذا لم نجد عيباً حولنا صفات الجمال فيه إلى عيوب وهي في دواخلنا صفات جمال وإنما لنعلن للآخرين أننا أذكياء ولدينا (رأي) ولا يمكن أن (ننخدع) بالآخرين.. وأقول لكم للأسف الشديد أن 99.9% منا كلنا هم من نفس هذا النمط.. فإذا وجدت شخصاً ينتقدك ليل نهار وفي كل جلسة وفي كل مناسبة لأن لون (ثوبك مثلاً) كذا ويجب أن (تغيره) حسب مزاجه إلى لون آخر.. فإذا حققت طلبه وغيرت هذا اللون فسيبدأ بانتقاد هذا اللون نفسه الذي كان معجباً به قبل ذلك.. ويبدأ بكيل الانتقادات لك لأنه ليس اللون الذي كان يقصده!! لا أدري لماذا أصبحنا في هذا الزمن لا يعجبنا العجب ولا الصيام في رجب؟ أصبح كل همنا الحط من الآخرين ومن قدراتهم وانتقادهم.. هل هذا مركب نقص فينا.. أم هي صفة جُبل الإنسان عليها؟.. قد يقول بعض الناس إن النقد هو السبيل الوحيد نحو تعديل العيوب.. ولكن أقول لكم وبصراحة إن النقد لا بد أن يكون له هدف أسمى لا أن يكون هدفه شخصياً وللحط من قدر الآخر.. لأن النقد إذا كان سلبياً وسوداوياً وجارحاً وفي بعض الأحيان حتى لو كان خفيفاً، فإن له قدرة عجيبة على الهدم.. في كثير من الأحيان فإن انتقاد الأخطاء وحتى ولو كانت علنية ومعروف أنها خطأ 100%، فإن النقد لها سيكون هادماً.. والشيء الخفي الذي لا يعلمه أحد أن كل إنسان مركب وله أهواء وله مقاييس للخطأ.. فما تعتقد أنت أنه خطأ 100% قد يعتقد الآخر أنه صحيح 100% فاختلاف تقديرنا للأمور هو السبب الرئيسي في النقد فليس هناك شيء أبيض اسمه الصح وهناك شيء آخر اسمه الخطأ.. وهذا هو السبب الرئيسي في الخلاف المر بين شخص وآخر فلكل شخص مقاييسه، فإذا انتقدك شخص لأنك قلت كلمة (كذا) في المجلس الفلاني، فإنه ينتقدك من منظوره هو لا من منظورك أنت.. وإذا سألت شخصاً آخر عن صحة هذا النقد لأكد لك أنه خطأ 100% وأن كلمتك يجب أن يقدم لك خطاب شكر عليها وأن يقام لك احتفال تكريمي لأنك قلت هذه الكلمة!! وهذا دليل على انعدام المقاييس وأن هناك أشخاصاً كل همهم هو توجيه سهام النقد لأنهم يعتقدون أنك إذا لم تنتقد فإنك ليس بإنسان جدير بالثقة؛ وأريد أن أسأل سؤالاً.. وهو: ما هي المرة التي تذكر أنه عرض فيها عمل قام، أو قدم إنسان تبرعاً سخياً وعملاً جليلاً وقُدِمَ إليه الشكر.. ستجد أن الإجابة هي ولا مرة واحدة (مع عدم توجيه أي نقد له).. إن النقد يحول حياتنا إلى جحيم وطعمها إلى علقم ويحيلنا إلى أشخاص بلهاء وكسالى.. ويكوِّن منا فريقاً متعادياً يُضاف إلى محيط من الكسالى وإلى قطيع في الصحراء لا هم لهم إلا إشباع أنفسهم دون الآخرين؛ إن النقد الذي لا هدف له أصبح معول هدم لا بناء!!
إنني أتمنى من كل مَنْ قرأ هذا المقال أن يفكر لبرهة من الزمن وأن يسأل نفسه.. إذا كان توجيهي للنقد للآخرين لن يفيد شيئاً بل سأكون أنا المتضرر الوحيد.. فلماذا لا أوجه طاقتي في النقد إلى طاقة في الثناء والشكر ....