د. عبدالله بن يحيى بخاري
لا أدري لماذا تظن بعض المؤسسات العامة والخاصة وبعض القطاعات أن المواطن السعودي ماهو إلا (بقرة حلوب).
آخر هذه النماذج لحلب المواطن هو ما تفتقت عنه عبقرية المسؤولين بالمؤسسة العامة للبريد, ابتداء من مشروع (واصل) وانتهاء بزيادة رسوم صندوق البريد العادي بنسبة 200 في المائة, أي من مائة ريال إلى ثلاثمائة ريال سنوياً.
وتظن المؤسسة العامة للبريد أنها (جابت السبع من ذيله), وأنها بصدد إدخال اكتشاف القرن على طرق توزيع البريد, مع أن هذه التكنولوجيا التي تروج لها وبصدد استخدامها تعتبر قديمة نسبياً ومتأخرة عما يستخدم الآن مثلاً في نظام الملاحة )NAVIGATOR( في جميع السيارات الخاصة العادية في أمريكا وأوروبا وأيضاً في المملكة. ومقابل ذلك (النظام الخطير) الذي سوف ينقلنا فوراً إلى القرن الثاني والعشرين, تنوي مؤسسة البريد (حلب) المواطن, وتجريده مما بقي في جيوبه من (هلل).
في رحلة الطائرة من جدة إلى الرياض, أسعدني حظي منذ فترة بمقعد ملاصق لمقعد معالي الأخ العزيز الدكتور محمد بنتن, رئيس المؤسسة العامة للبريد, وتفضل الدكتور محمد بشرح الموضوع لي برمته, وتوضيح تفاصيله على خرائط أنظمة المعلومات الجغرافية, محاولاً أن يُبرر لي أحقية المؤسسة العامة للبريد لفرض رسوم على المواطن الذي يرغب في الحصول على بريده بنظام (واصل), وكانت الرسوم التي حددها على ما أذكر هي في حدود مائة ريال للمشترك سنوياً.
وحاولتُ من جهتي إقناع معالي الدكتور محمد بأن إيصال البريد هو خدمة أساسية تقدمها الدول لمواطنيها, وأنها تخضع لاتفاقيات دولية معترف بها, ولا يحق فرض أي رسوم إضافية على المواطنين للحصول على هذه الخدمة, إلا إذا كانت رسوماً لخدمة خاصة مثل البريد المسجل أو البريد السريع أو ما شابه ذلك. أما توصيل البريد إلى عنوان منزل المواطن فهي خدمة أساسية لابد أن توفرها الجهات المتخصصة دون أي رسوم مزدوجة, إذ أن الشخص الذي أرسل رسالة (وليكن من مدينة الرياض إلى جدة مثلاً) قد سدد رسوم خدمة توصيل رسالته إلى المستلم مقدماً أو مسبقاً عن طريق شراء طابع البريد ووضعه على المظروف, ويتوقع أن تصل رسالته دون أن يسدد المستلم أي أتعاب أخرى. هذا هو العرف الدولي الذي تحكمه اتفاقيات خاصة بذلك. ولم يستطع معالي الدكتور أن يقنعني, ولم أستطع أن أقنعه.
وكمعلومة فقط: فقد بدأت فكرة البريد منذ حوالى أربعة آلاف عام (عام 2000 قبل الميلاد) عند قدماء المصريين ثم بعد ذلك بحوالى ألف عام في الصين, ثم تلتها بلاد الفرس واليونان ثم الرومان, وهكذا إلى أن أُخترعت سفن البخار وخطوط السكة الحديد, حيث تم في عام 1874م توقيع المعاهدة الدولية للاتحاد العام للبريد بمدينة بيرن في سويسرا, ثم تبعتها تطورات أخرى حتى وصل نظام البريد الحديث إلى ما هو عليه الآن في جميع الدول.وشعرت بالأسى مع بعض المواطنين الكرام الذين سألوني عمّا إذا كان مجلس الشورى قد درس هذا الموضوع وأجازه, وأكاد أجزم أنه لو عُرض هذا الأمر على مجلس الشورى لأُخمد في مهده.
فمن أسوأ الأمور أن يُسمح لأي جهة باحتكار تقديم خدمة معينة أو منتج واحد للجمهور, ثم يترك لتلك الجهة أيضاً تحديد السعر ورفعه أو خفضه حسب مزاجها ورغبتها. ويبدو لي الآن أن هناك عملية (ليّ) لذراع المواطن لكي يشترك في نظام (واصل). وتتم هذه العملية ببساطة بزيادة رسوم اشتراك صندوق البريد العادي إلى ثلاثمائة ريال في السنة مما يجعل هذا الاشتراك مقارباً للاشتراك في نظام (واصل), فيُفضل المواطن حينئذ أن يشترك -على مضض- في نظام (واصل), فتعلن ذلك المؤسسة العامة للبريد نجاح المشروع نجاحاً منقطع النظير نظراً لإقبال المواطنين عليه!! أي أنها عملية التفاف غير عادلة. علماً بأن ثمن الصندوق نفسه ربما لا تتعدى قيمته العشرين ريالاً فقط. ونسي المسؤولون في المؤسسة أن نظام صندوق البريد الحالي هو في الواقع في صالح المؤسسة. فقد قام المواطن السعودي بتسديد مبلغ مائة ريال كإيجار لصندوق بريد صغير تضع فيه المؤسسة تلك الرسائل والطرود التي كان يجب عليها (على المؤسسة) أن توصلها إلى منزله. أي أن المواطن المشترك في صندوق البريد يُسدّد في الواقع مبلغاً مالياً كل عام لكي يوفر للمؤسسة مصاريف توصيل البريد إلى منزله مباشرة.
جريدة عكاظ السعوديه
تحياتي