الصغيرة والبحر


نعود للصغيرة ونبتعد عن البحر قليلا بعد أن فشلت محاولات في السباحة ويبدو أن الشجاعة لم تكن كافية لهذا التعليم كما أن السباحة قد تأخذ كثيراً من وقتي فتفقدني جزءاً من وقت القراءة والكتابة .. اكتفيت بأخذ حاجتي من الأوراق وتجولت داخل المدينة الصغيرة .. وليلها الطويل لغياب الحركة المرور يه وقله الحركة للسير على الأقدام بعد ساعات قلائل من غروب الشمس .. هنا في هذه المواقع تتأمل كيف يكون داخل البيوت المتجاورة وكيف يكون الناس وعلاقاتهم .. والأسلوب الذي تعيش به المدينة الصغيرة .. والقرابة الأسرية اللصيقة بين كافة أفراد المجتمع الصغير .. إن تلاحم العلاقات الأسرية في المواقع الصغيرة تجعلك لا تتوقع أن أحد الحلقات الأسرية قد تنقطع عن الأخرى .. فالقاطنين بهذه الصغيرة كلهم على علاقات أسرية جيدة ويربطهم في هذا اللقاء العنصر النسائي والعلاقات الزوجية بين الراحم والقرابة اللصيقة .. وتلك العلاقات لابد أن تكتنفها العديد من الممارسات المنطوية على الاختلافات سواء الفردية أو الاجتماعية ... وباعتبار أن الخلافات الأسرية واردة في كل المواقع سواء الصغيرة أو المترامية الأطراف إلا أن المجتمع الصغير يساهم في زيادة المسافة لهذه الاختلافات لأسباب عديدة يتوجها الفراغ الكبير واللقاءات لساعات طويلة سواء لسهرات منزلية أو الجلوس على المنتزهات البحرية .

تستمر هذه الخلافات داخل العلاقات الأسرية وتبقي الضيافة الأصيلة من أصحاب المواقع الصغيرة .. الذين يتميزون بكرم الضيافة للقادمين من خارج الصغيرة ، وتنحصر هذه الضيافة أثناء تواجد الضيوف داخل مجتمعاتهم وتغيب فيما بينهم لتعود للظهور في مناسبات الأفراح الخاصة والعامة , والتي بالفعل تعيش أحد القصص الأسطورية القديمة في أقامه حفل الزواج لثلاث أيام متتالية أحيانا .. تدار فيها العاب خاصة بالصغيرة وأهل الصغيرة .. كما أن الدعوة النسائية لحفلات الزواج ليست مقتصرة على الأقارب والمعارف والأصدقاء , بل يتم الإعلان لهذه الدعوة في أحد المناسبات على الملأ من الحاضرات وقبل الحفل بأيام .. كما أن الشعر الذي يتوج بطاقة الدعوة لحفل الزواج يناشدك أن تدعو الغير لتكتمل الفرحة لأصحاب الدعوة جميعاً .. وإذا رغبت أن تشاهد نغمات جسدية لخدمة يقوم بها الأهالي في منا سباتهم فإنك سوف تجدها في الصغيرة التي تأبي الترحيب بواسطة العمالة الأجنبية , ويقوم بهذا الترحيب الأصدقاء والمعارف وشلة الأنس لعدد كبير من الخدمات الإنسانية .

وإذا كانت الأفراح تجمعهم فإن أحزان أهل الصغيرة وحدة متماسكة ، فالأخبار تنتشر بسرعة والكل تجدهم في المآتم في مشاركة إنسانية لها الصدى الكبير في نفوس الذين أصيبوا بهذه الكارثة الأسرية .. وإذا تأخرت بالحضور في تقديم الواجب الإنساني , وتعدى تأخيرك لعد من الدقائق فسوف تقف في صفوف المتأخرين طويلاً حتى تتعب قدماك لتصل إلى أهل المصيبة وتقدم لهم العزاء .. فقد تواجد المجتمع بأسره في هذه المناسبة الحزينة والتي عرفها وشارك بها الرجال ..وأيضا لا تتأخر السيدات عن الحضور والمشاركة وليست بالضرورة أن يكون أصحاب المصيبة من الأقارب أو الأصدقاء فتلك عادات حميدة في أهل الصغيرة .. هذه المواقف صنعتها اللقاءات المتقاربة والمتكررة يومياً .. وأيضا لتقارب المنازل في الأحياء القديمة للمساكن الشعبية ومعرفة الأحوال الأسرية .. كما أن الأخبار التي أحداثها في ساعة الظهيرة فإن انتشارها لا يتعدى فترة انحدار الشمس من وسط السماء .. و المتأخر ون في الاستماع وقت العشية فإنهم يعتبرون أنفسهم غائبين عن المجتمع لهذا اليوم وتلك حياة الصغيرة في كل المواقع بعكس المدن الكبيرة ..

ويرضى أهل الصغيرة بالقليل ولا تزال آمالهم دون المطلوب للتقدم التقني الذي شاهدته المدن الكبيرة .. كما أن اهتماماتهم غالباً ما تنحصر بالأمور الفردية دون أن يكون هناك طلبات تخدم الصغيرة .. ومن أجل ذلك أصبحت الصغيرة ناقصة في الهرمونات والفيتامينات مما أخر نموها الاجتماعي ..وإذا ارتفع رأي أو طلب من أحد شخصيات الصغيرة فإنك سريعاً ما تكتشف أن هذا الطلب يخدم مصالحه الفردية .. وهنا يبدأ الصراع بين أفراد مجتمع الصغيرة وتبدأ المحاولات للبحث عن الخدمات الشخصية .. وتلك قضية مكشوفة لأن استخدام الذكاء لن يطول بها .. فالمعلومات تتسرب بين سيدات المجتمع بعد أن خرجت من صدور الرجال لزوجاتهم في جلسة عصرية أو سهرة في الليالي البحرية ..

ويلفت انتباهك الصراع القائم بين مجتمع الصغيرة ..وتحتار عندما يلتقي أفراد هذه المجتمع بعضهم مع بعض داخل إطار المحبة والتفاهم وتأثير الغير على أنفسهم .. وعندما تنفرد ببعضهم تجد القلاقل قد أبدت نواجذها ..ويطول الحديث عن مغامرات ومعلومات وكشف الغطاء والتجريد من كل المعاني التي أعشناها في لقاء البعض قبل أيام وتصاب بالدوار .. فإن الذي أصاب الغير سوف يصيبك لأنك أحد أفراد المجتمعات الصغيرة ...وتبدأ بالتحفظ والابتعاد وتعجز أن تعيش وسط سجن منفرد وأنت بين الأصدقاء في جلسة بريئة ورأي لا يتعدى مسافة الدخان المتطاير من صديقك الذي يجلس جوارك وقد أرهقته عادة التدخين المريضة . إنك تعيش المتناقضات داخل الصغيرة ومع مجتمع الصغيرة .
ويستقبل أهل الصغيرة وساطة كثيرة من بعض الأهالي والأصدقاء من خارج المنطقة ولك لإنهاء بعض الإجراءات ..وهذه الوساطة لا تؤثر على الآخرين أو طبيعة العمل في الإدارات داخل الصغيرة لأن العمل ليس بالحجم الذي يجعل المراجع ينتظر كثير لدى مراجعاته . حتى أهالي الصغيرة المقيمين خارج المنطقة أيضا يفضلون إنهاء كثير من الإجراءات الرسمية للخدمات العامة من إدارات الصغيرة ، والمسؤول في الصغيرة يتمتع بأنواع الراحة الفكرية والجسدية , كما أن وضعه الاجتماعي الظاهر على مستوى المجتمع الصغير قد يجعل البعض من هؤلاء ينسى أحيانا نفسه وتتمرد عنده الذات .. ويخرج عن القاعدة المتعارف عليها .. كلنا ندرك أن مثل هذه الأمور لا يطول بها الزمن ليعود المسؤول للوضع الطبيعي لمسئوليته .. وتبقي الصغيرة في متطلباتها تقفز بخفة الغزال والطفلة الصغيرة حتى يحين الوقت وتبلغ مرحلة الكبيرة ، عندها كل شيء يتغير وتبقى هذه المعلومة ذكري للزمان عندئذ وكثيرا ما يردد البعض عندما كانت بلدتنا صغيرة أيتها الصغيرة .
.......

ودمتم