خطوطنا السعودية والتهرب من المسؤولية
الخميس 11 صفر 1428هـ الموافق 1 مارس 2007م العدد (2344) السنة السابعة
وهيب عبد الفتاح صوفي*
كلنا نتعرض بشكل أو بآخر لبعض أشكال التهرب من المسؤولية (أو حسب التعبير الدارج "الزحلقة")من قبل الموظفين في القطاعات الحكومية. مشكلة الإدارات الحكومية أن موظفيها يستطيعون الإفلات من عقوبات التهرب من المسؤولية بسبب هشاشة وضعف كثير من التنظيمات الحكومية، لكن أن يتهرب موظف بالخطوط الجوية السعودية من مسؤوليته فهذا ينتج عنه تبعات كثيرة ويثير العديد من علامات التعجب والتساؤل لأسباب أهمها أنها تتمتع بمرونة لا تتمتع بها بقية الأجهزة الحكومية، ولأنها الآن تخوض تحديات جديدة من خصخصة وهيكلة وعولمة تفرض عليها أن تضع نفسها في مصاف الخطوط العالمية. وبالرغم مما نلمسه جميعا من تحسن في أداء وتعامل كثير من موظفي الخطوط سواء في خدمات المبيعات أو في خدمات الضيافة الجوية إلا أنه يلاحظ وجود عدد من بؤر المشاكل ذات العلاقة بقلة من موظفي كاونتر الرحلات حيث تتسبب بعض قراراتهم وتصرفاتهم في الكثير من الإزعاج والإجهاد للركاب لا تظهر إلا بعد مغادرتهم للمملكة... وهذا ما حصل لي شخصيا.
بدأت قصتي برحلة طويلة من الرياض إلى طوكيو عبر الدمام ومانيلا حيث أصر موظف الكاونتر على عدم شحن حقائبي إلى طوكيو مباشرة بحجة أن خط سير السعودية يقف عند مانيلا حيث سأركب ناقلا جويا آخر. يقول هذا الموظف إن حدود صلاحيته تقف عند مانيلا. أذعنت لكلامه ظنا مني أن الأنظمة الجوية قد تغيرت وتبدلت لأغراض أمنية أو غيرها. توجهت إلى صالة السفر وقابلت بعض الزملاء المسافرين معي على نفس خط الرحلة إلى طوكيو وأبلغوني أن حقائبهم قد تم شحنها إلى طوكيو مباشرة. تعجبت كثيرا لاختلاف التعامل وقررت استيضاح الأمر في محطة الدمام لعلي أستطيع توجيه الحقائب إلى طوكيو. عن وصولي لمطار الدمام توجهت لموظفي "السعودية" المسؤولين عن خدمات العفش فأفادوا بأن الأمر بسيط وعلي مراجعة رئيسهم في الدور العلوي لتغيير سير العفش. عندما قابلت رئيسهم أوضح لي أنه يتعذر ذلك لأن العفش لا ينزل الدمام وإنما يتم تحويله من طائرة لأخرى وأنه كان يتوجب علي عدم قبول كلام موظف الكاونتر في الرياض وكان علي الإصرار على شحنه حتى طوكيو بدلا من مانيلا. قلت له: وماذا أفعل الآن؟ قال: عليك تقديم شكوى ضد هذا الموظف حيث يمكن تحديد هويته من أرقام المقاعد التي صرفت لك على الرحلة من الرياض إلى الدمام.
لم أنزعج كثيرا لأن فترة الانتظار في ترانزيت مطار مانيلا كانت تزيد على الأربع ساعات. وعندما وصلت إلى مانيلا وجدت أنه يتوجب علي المرور بجوازات الفلبين حتى أصل لحقائبي، فقررت الاستعانة بموظفي الخطوط اليابانية التي ستقلني إلى طوكيو. وبالفعل تجشم أحد موظفي الخطوط اليابانية عناء حل هذه المشكلة بعد أن أخذ مني التذاكر وجوازات السفر. والحقيقة أن مجرد وجود تذاكر الطيران وجواز السفر في يد شخص آخر لفترة زادت على الساعات الأربع قد أربكني وزاد من قلقي في بلاد ليست بلادي ومع موظفين يختلفون في ثقافتهم عني ولا يتكلمون اللغة الإنجليزية بالطلاقة المطلوبة، لكن خفف علي هذا الموقف دعم ومؤازرة زملائي في الرحلة. وبعد كل هذا الجهد تمكنت من رؤية حقائبي واستطاعوا إعادة توجيهها إلى طوكيو منهيا بذلك فترة القلق مبتدئا فترة التعب الجسماني من رحلة استمرت ما يزيد عن ثماني عشرة ساعة من الطيران والتوقف في المطارات.
ما أزعجني حقيقة وآلمني في كل هذه الرحلة هو جهود هذه المؤسسة للارتقاء بخدماتها وجهود ألوف الطاقات السعودية التي تعمل بكل جد وإخلاص لتظهر جودة الخدمة لمسافريها ثم تأتي قلة... نعم قلة من الموظفين، لتهدم جهود كل زملائهم ممن يعملون بتفان وإخلاص. فكرت في هذا الشخص الذي يعمل في محطة الرياض وتساءلت: هل هو سوء تدريب وتأهيل أم هو عدم وجود الصلاحية أم ماذا؟ تساءلت عن موظفي الشحن في مطار الدمام ولماذا قالوا لي في الدور الأرضي إنه يمكن تغيير وجهة الشحن إلى طوكيو عند مقابلة رئيسهم الذي أفادني لاحقا إنه لا يمكن ذلك. هل كان يفترض بي أن أصرخ في وجه الموظف حتى لا أتعرض للمتاعب في بلاد الغربة أم أسكت وأنصاع له؟
هذه معاناتي رغم أنني كنت ممن يحملون بطاقة الفرسان وكنت مسافرا على الدرجة الأولى... معاناة لا يعلمها إلا من كابدها وأعلم أن الكثيرين منا قد عانوا الأمرين من هذه التجاوزات في حق المسافرين الذين لا حول لهم ولا قوة غير الكتابة والشكوى. نحن الآن في وقت انشغل فيه العالم كله بالتحديات العنيدة التي تواجه مستقبل اقتصاديات الدول في عصر العولمة والمنافسة الشرسة التي تأكل الأخضر واليابس. وقضيتي قد تعتبر سخيفة بالنسبة لبعض موظفي الخطوط السعودية لأنها لا تقارن ببعض القضايا الأخرى الصارخة والتي نقرؤها ونسمعها كثيرا، لكنها تحمل في طياتها كثيراً من المعاني ليس لمستقبل هذا الناقل الجوي بل لمستقبل إخواننا وأبنائنا من المخلصين الذين يعملون حاليا والذين سيكتب لهم العمل في هذا القطاع مستقبلا . إن ترك مثل هؤلاء الموظفين يعبثون بمصائر البشر في بلاد الغربة دون عقاب لا شك أنه يسيء قبل كل شيء لكافة الموظفين المخلصين ولمؤسستهم التي لن ينظر العالم إليها كناقل من الدرجة الأولى في وقت لا مكان فيه لأي ناقل جوي إلا للذي يقدم أفضل الخدمات.