ان تكون وزيرا

أحمد الشعلان

الحياة

لعل مَنْ في موقع الوزير يحتاج للدعاء وشيء من الحظ ليلهمه الحكمة في القيام بالمهمة الصعبة، للتوفيق بين ما يريده الناس وما يحتاجونه فعلاً، ومهمة الوزير في بلادنا اكثر صعوبة منها في بلدان أخرى، لأن توقعات المواطنين هنا عالية، وتصوراتهم عن عمل الوزير خيالية، كما لو كان ممسكاً بعصا سحرية يمكن ان تنهي في يوم واحد المعاناة وتحل المشكلات والعقد.
السنون تمضي وتبقى الذكريات، لكن الأكيد أن ذاكرة الناس تحتفظ بالقرارات الصعبة والمصيرية والمرة والخطيرة، ولا تتذكر الصور التلفزيونية والفلاشات، والسجلات تحتفظ بالمواقف المشرّفة التي يقدرها الناس ويحترمونها لعقود، والتاريخ يدوّن مواجهات التحدي، ويسجل النص الكامل للمناورات السياسية والمواقف الحادة أو المائعة، لكن صفحاته الذهبية تكتب بأسماء من كانوا شجعاناً على رغم أن بعضهم يرحل سريعاً.
الطريف أن كتاب التاريخ يخلو من أسماء كثيرين تسنّموا الوزارة في العالم، لا لأنهم كانوا وزراء سيئين ارتكبوا أخطاء في عملهم، بل لأنهم كانوا صفحة بيضاء ناصعة بلا أخطاء، فهم ببساطة لم يقدموا شيئاً منذ ان قَدِمُوا للوزارة اذ يحضرون لمبناها في السابعة صباحاً ويغادرونها في الثالثة عصراً، بل ويتقدمون حضور الاجتماعات الدورية ويتحدثون بلباقة ولطف، ويتبعون سياسة الباب المفتوح في اللقاء مع الموظفين والمواطنين، لكن أسماءهم سقطت في التعداد العام، لأن منهجهم القائل «لا تعمل فلا تخطئ» حرمهم من التخليد على رغم أنه وقاهم من الزلل.
قيادة الوزارة كوظيفة تحتاج الى رؤى وأفكار في التعامل مع واقع المجتمع، وليس مجرد إطفاء الحرائق هنا وهناك، والتعامل مع الكوارث والأزمات عند حدوثها او أن يتابع سيره بمجرد رد الفعل على الأحداث، ومن المستغرب في كثير من الدول ان تعبر سنون الوزارة - الطويلة احياناً - من دون ان يكون الوزير صاحب مشروع إصلاحي او تطويري، ، ومن غير المعقول ان تعاش تلك السنوات بلا حلم يشارك فيه الوزير مواطنيه طموحات التغيير، وبلا أفكار تطوير تتعدى تعيين وكلاء جدد واستبدال الحرس القديم بحرس الوزير وتحديث ديكورات المكتب وأثاثه.
مهمة الوزير منذ الأزل وفي كل عصر ودولة ليست متطابقة، وليس لها وصف وظيفي محدد، لكن يعلن اسم الوزير الناجح منذ عهد الفراعنة وحتى اليوم عندما يصبح التحدي عنوان هذه الوظيفة وشعارها، ويخط اسمه بالذهب عندما يصبح الطموح بحجم التغيير وبضخامة الإنجاز، ويتذكر الناس الوزير المميز عندما تتحول المهمة من ادارة تشغيل الوزارة ومرافقها ووكالاتها الى قيادتها ومتابعة نجاح استراتيجياتها وضمان تنفيذ سياساتها.
اذا كان من الصعب ان تصبح وزيراً فإنه من الأصعب ان تصبح وزيراً ناجحاً.