قبل بضع سنوات كنت كاتب عمود في إحدى الصحف ..
أذكر أنني كتبت مقالاً بعنوان (مجمد في البريد ) .. وفي الواقع أن العنوان الأجدر في داخلي والذي قمت بإخراجه داخل سياق الموضوع هو (البريد وخرقاء قريش )!! ...
وتحدثت في الموضوع عن حمقاء قريش التي أشار لها القرآن الكريم في قوله تعالى : (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها .. ) الآية ..
وقد وردت الآية لتشبيه من ينقض العهد وتشبيهه بتلك الفتاة التي كانت تسمى "ريطه الحمقاء " وقيل عنها في التفاسير أنها كانت تعيش في قرية تجاور الحرم المكي الشريف وذلك قبل الإسلام .. وكان والدها من أثرياء مكة .. وكانت هذه الفتاة مدللة أبيها وأمها لأنها كانت الوحيدة في كنفهما ..
وعندما بلغ عمرها 20عاماً .. تيقنت أن كل من حولها تزوجن ولم يبقى أحداً من قريناتها في السن .. ثم بلغت هذه الفتاة 25عاماً .. وبدأت تفكر في أسباب عزوف شباب مكة بل أن الأجيال الأصغر منها سناً تزوجن .. وبلغت 30عاماً .. وهنا بدأت تنفجر غيضاً ..وعندما شعر والدها بمأساتها بدا يلاطفها ويحاول إدخال السرور إلى قلبها .. وتطمينها .. فقال : أي بُنيه ..لقد تقربت إلى الآلهة اليوم وقال لي راهب الآلهة أنه سيطرق الباب ويأتيكم الخاطب إذا اكتمل الهلال وصار بدراً .. وعند سماع ريطه لمقالة والدها كاد أن يخرج قلبها من بين جنبيها فرحاً .. ومكثت تترقب الهلال يوماً تلو الآخر حتى صار بدراً .. وفي هذه الأثناء كلما طُرق باب المنزل زاد خفقان قلبها واضطربت نبضاته ، ولكن الطارق يظهر إحدى جاراتها وهي تدعوهم لحضور وليمة احتفال على عقد قران إحدى الفتيات اللاتي تصغرنها بسنوات !!!
ثم يعود الإحباط مجدداً ، وبقيت ريطة الحمقاء كذلك حتى بلغت الأربعين وتوفي عنها والدها ووالدتها ..وهي لا تزال تترقب كل ماصار الهلال بدراً
ثم أنها قامت بصرف ما تبقى لها من ثروة أبيها في شراء الصوف الذي يباع في أسواق قريش وعندما جمعت الصوف من الأسواق استأجرت بما تبقى غازلات من النساء وقامت هي بمشاركتهن في غزل الصوف وبقيت كذلك تغزل الصوف طوال الليل .. وتعود وتنكثه فجراً .. حتى فقدت عقلها تماماً ..
هنا قارنت في سياق الموضوع بين محاضر الترقيات وترقب الهلال عندما يصبح بدراً .. وخفقان قلب المجمد في البريد عند سماعه رنين الهاتف .. وهكذا حتى تتلاشى محاضر الترقيات ويترقب من لجنة لأخرى ومن محضر لآخر حتى الأربعين ...
وإذا بلغت خدماته الأربعون عاماً ، عليه أن يشتري بمستحقاته التقاعدية كومةً من الصوف ويبدأ في الغزل والنكث والحمدلله .. اللهم متعنا بعقولنا وأسماعنا ما أحييتنا ...

هذا المقال أثار غضب الدكتور خالد بن فارس العتيبي وهددني بالفصل من البريد أمام الموظفين ومن يقرأ مقالي ممن حضر الموقف سيذكرني .. ومنهم سليمان الهليل مدير الرقابة والمتابعة سابقاً الله يذكره بالخير ... وجمع من الزملاء الموظفين الذين حضروا هذا الموقف وخصوصاً أخي الفاضل سعيد بن هياس الذي يتابع هذا الموقع وكان حاضراً هذا الموقف الذي لا أنساه ، عندما لوح الدكتور العتيبي بكرت أصفر في وجهي وقال (أقسم بالله لو كتبت نقداً في البريد مرة أخرى ..لأكون السبب في فصلك.. فأنت موظف في البريد قبل أن تكون صحفي )!! .. دمتم بخير


اليوم أنا أكتب الموضوع بكل ثقة وأريحية وفي موقع بريدي لأننا في زمن الإدارة الأكثر مرونة والإدارة المتفهمة والديمقراطية بكل الأبعاد ... فشكراً لمعالي الرئيس وسامح الله ((الدكتور خالد بن فارس ))