منتقدا تلميحاته "غير اللائقة" مندورة معقبا على باجبير:
"واصل" من أهم الخدمات في الدول المتقدمة فلماذا تقلل من هذا الإنجاز؟
د. محمد محمود مندورة - - 07/01/1427هـ صحيفه الاقتصاديه
إلى رئيس التحرير:
في البدء لا بد من الإشارة إلى أنه ليست لي أية علاقة بالمؤسسة العامة للبريد، فأنا لست موظفاً فيها، ولم يسبق لمكتبي الاستشاري أن قام بتنفيذ أي أعمال لصالح المؤسسة, ولكن ساءني جداً ما ورد في عمود (مع قهوة الصباح) للأستاذ عبد الله باجبير المنشور في جريدة "الاقتصادية" تحت عنوان (بيان الدكتور بنتن) يوم الأربعاء 25 من ذي الحجة 1426هـ. فقد تضمن ذلك المقال مغالطات كثيرة، وتلميحات غير لائقة، وقد وجدت من الواجب الرد عليها بهدف تبيان الحق، وحرصاً على ألا تستخدم منابر الصحافة كمعاول هدم لجهود البناء في هذا المجتمع الطيب.
حيث يعترض السيد باجبير على وصف الدكتور بنتن ـ مدير عام المؤسسة العامة للبريد - خدمة البريد الجديدة "واصل" بأنها تاريخية, وفي رأي الأستاذ باجبير أنه لا يمكننا أن نصف كل حدث بأنه تاريخي حيث يقول متهكما: "ثم ما هي حكاية تاريخية هذه .. هل كل قرار في مصلحة أو هيئة وشركة هو قرار تاريخي أو حادثة تاريخية"
ولا أدري من أين أعطى الأستاذ باجبير لنفسه الحق في تحديد ما الذي يمكن أن يوصف بأنه حدث تاريخي أو لا يمكن؟ وهل من الضروري للحدث أن يكون له البعد العالمي حتى يوصف بأنه تاريخي؟ إذن ماذا يمكن أن نصف بدء الضخ في أول بئر للبترول في المملكة، والذي كان بداية انطلاقة المملكة لتكون أكبر منتج للبترول في العالم؟ أو افتتاح أول محطة لتنقية المياه المالحة في المملكة، والتي كانت البداية لكي تصبح المملكة أكبر دولة منتجة للمياه المحلاة من مياه البحر؟ أو تواريخ افتتاح المستشفيات التخصصية والمجمعات الطبية التي أصبحت مقصداً للمرضى من مختلف البلدان طلباً في العلاج، أو لفصل المواليد عن بعضها البعض؟ أو تواريخ التوسعات المتتالية للحرمين الشريفين في العهد السعودي؟ أو غيرها.
ثم يستمر الأستاذ باجبير ويقول في مقاله: "يا سيدي الدكتور خدمة توصيل البريد للمنازل بالأجر ليست خدمة تاريخية وليست سبقاً لم يسبقنا إليه أحد، ففي جميع دول العالم تصل الخدمة البريدية إلى المنازل مجاناً. وفي إنجلترا حيث عشت عشرين عاماً كان البريد يوزع مرتين يومياً مجاناً دون استراتيجية ولا تنموية ولا تاريخية ولا ملوخية" وهذا الكلام يتضمن مغالطات كثيرة لا بد من إيضاحها في التالي:
* إن الاعتقاد بأن المواطنين في الدول الغربية أو الشرقية يحصلون على خدمات الدولة مجاناً هو اعتقاد خاطئ تماماً, فالمواطنون هناك يدفعون ضرائب عالية مقابل هذه الخدمات. وتتنوع أشكال الضرائب، فقد تكون ضريبة على الدخل، أو ضريبة على المشتريات، أو ضريبة مقابل الحصول على شهادة بصلاحية السكن أو المحل، أو ضريبة مقابل السماح له بقيادة السيارة واستخدام الطرق، وغيرها من الضرائب. وتزداد الضرائب على الفرد بحسب مقدار الخدمات التي يحصل عليها, إذن دعونا نتساءل هنا: هل كثير على المواطن السعودي أن يدفع 300 ريال سنوياً مقابل أن يحصل على خدمة بريدية متميزة؟ وهل كثير أن يسهم بجزء يسير من دخله مقابل الحصول على خدمات أخرى تسهم في تحسين مستوى الحياة التي يعيشها؟
* إن خدمة توصيل البريد إلى المنازل هي من أهم الخدمات في المجتمعات العصرية والدول المتقدمة (وقد أقر الأستاذ باجبير بذلك). إذن فإن البدء في تشغيل هذه الخدمة في المملكة يعني تحقيق المملكة لخطوة أخرى في مسيرتها للتحول نحو دولة عصرية متقدمة. فلماذا نقلل من شأن هذا الإنجاز؟
ثم يختتم الأستاذ باجبير مقالته ببعض التساؤلات التي تتضمن بعض التلميحات غير اللائقة، حيث كتب متسائلاً: "إن قرارك التاريخي لا يقصد به إلا زيادة موارد مؤسسة البريد لا أكثر ولا أقل .. وإنني أتساءل ما هي واصل بالضبط .. هل هي شركة .. أم هيئة .. أم مصلحة .. أم ماذا؟ لعلها ماذا؟ .." ولا أدري هنا هل يجهل الأستاذ باجبير (أم يتجاهل) أن تخصيص القطاع العام هو توجه استراتيجي لحكومة المملكة، وهذا التوجه ستكون له انعكاسات تنموية مهمة. ومن أبرز إنجازات هذا التوجه، عملية تخصيص قطاع الاتصالات وإنشاء شركة الاتصالات السعودية. وهذه الخطوة فتحت باب المنافسة في هذا القطاع حيث لحق ذلك إنشاء شركة موبايلي لخدمات الجوال، وإنشاء شركات أخرى لخدمات نقل البيانات. كذلك تم الاتفاق مع القطاع الخاص لتمويل وبناء محطة التحلية الجديدة في الشعيبة، وتمويل وبناء مدينة الملك عبد الله الاقتصادية في رابغ، وغيرها كثير من المشاريع التنموية الجبارة التي يسهم القطاع الخاص في تمويلها وتنفيذها.
ونعود هنا مرة أخرى لمحاولة الأستاذ باجبير تهميش الإنجاز الذي حققته مؤسسة البريد والتقليل من شأنه، فمن الواضح أن الكاتب يجهل أو يتجاهل أبعاد هذا الإنجاز والآثار الإيجابية التي يمكن أن تنتج عنه. ولعل من المناسب في هذا الصدد أن نذكر التالي:
* إن خدمة توصيل البريد إلى المنازل من أهم مقومات التجارة الإلكترونية. وتدل المؤشرات أن حجم هذا النشاط العالمي في عام 2005 يبلغ أكثر من ثلاثة تريليونات دولار. ولكن حجم تعاملات هذا النشاط في المملكة ضئيل جداً بسبب ضعف مستوى الخدمات البريدية. إذن فإن تشغيل خدمة واصل سيسهم بشكل كبير في تنشيط تعاملات التجارة الإلكترونية، بما يتوقع أن ينتج عن ذلك تأثيرات اقتصادية وتنموية مهمة.
* إن خدمة توصيل البريد إلى المنازل من أهم مقومات الحكومة الإلكترونية كذلك. ويمكننا هنا أن نتصور إمكانية إرسال رخصة القيادة أو بطاقة الأحوال المدنية أو جواز السفر أو شهادة الميلاد إلى المواطن في مسكنه (كما يحدث في الدول المتقدمة) دون الحاجة لأن يقف المواطن في طوابير الانتظار الطويلة أمام الدوائر الحكومية.
* يستخدم نظام واصل لخدمة البريد تقنيات معلومات متطورة. فالنظام سيستخدم تقنية الخرائط الرقمية، وفي كل صندوق بريد توجد شريحة إلكترونية ذكية تسهل الاستدلال إلى موقع السكن أو المحل. ومن خلال رقم صندوق البريد ورمز المنطقة التي يقع فيها يمكن تكوين مؤشر فريد لموقع السكن أو المحل. ويمكننا هنا أن نتخيل التطبيقات الكثيرة لهذه التقنية. فيمكن للشرطة أو الإطفاء أو الإسعاف الاستدلال بسهولة إلى موقع أي حادث من خلال معرفة رقم أقرب صندوق بريد للحادث والمنطقة التي يقع فيها. كذلك يمكن تصور نشوء خدمات ليموزين تصل فيها عربات الليموزين بسهولة إلى من يطلبها من خلال الاستفادة من شبكة المعلومات التي يوفرها هذا النظام.
أعتقد أن الواجب يحتم علينا أن نسخر أقلامنا في مساندة الجهود الصادقة التي تسهم في دفع عجلة التطوير والتقدم في المجتمع. والله الهادي إلى سواء السبيل.