ما ان علم انني من الصحافة السعودية حتى قام فرج بن عبدالله مبارك من سريره في مستشفى راشد بدبي الذي يرقد فيه منذ سبعة اشهر مادا يده مصافحا وكله أمل ورجاء بأنني احمل له معي بشارة من السعودية التي ينتظر رد الجهات الرسمية فيها للسماح له بالعودة ليقضي ما تبقى له من العمر وسط بناته وفي المنطقة التي ابصر النور فيها ويريد ان يودع النور فيها ايضا .
أخبرته انني لا احمل له اي بشارة وانني هنا فقط في محاولة لمساعدته للوصول الى مبتغاه فتنهد متحسرا ، قائلا اتمنى ان تساعدوني كي ارى بناتي وانعم ببعض الوقت بجوارهن الى أن يأخذ الله تعالى امانته . سألته عن الرحلة وكيف فارق المملكة ولماذا لم يعد .. بدت الاجابة صعبة والجراح عميقة ، والرحلة اشق من أن توصف وأصعب من أن تحكى .فقد طال العمر وضعفت الذاكرة وتناوبته الامراض حتى لم يعد يذكر الا القليل .. لكنه تمالك نفسه محاولا استجماع ما تبقى في الذاكرة قائلا : كنت اعمل في البحر في الصيد والغوص وساقتني الاقدار منذ عشرات السنين الى دبي قبل ان توجد فيها الطرق والكهرباء واي شيء آخر ، بقيت هنا اعمل في الغوص وفي الصيد ، وسرقتني السنين حتى وجدت نفسي كما ترى .
سألته هل تبقى من اهلك او ممن تعرفهم احد فقال : الجميع توفى فقد تركتهم منذ اربعين عاما او يزيد وليس لدي اي علم بأي شيء كل ما اعرفه ان ابنتي طيبة وخديجة تحلمان برؤيتي وقد جاءتا الى هنا بحثا عني لكن لم تجمعني بهما الاقدار .
سألته كل هذه السنوات لم تحاول زيارة اهلك لماذا ؟ وبصراحة الذي لم يعد يخشى شيئا قال فرج : « آه .. اغواني الشيطان ، ولما قررت العودة كان الأوان قد فات » ... وليس لدي اوراق ثبوتية ولم يعد بالامكان التنقل كما كان الامر سابقا بدون اوراق او وثائق ... والمصيبة انه حتى اوراق « الجنسية « التي حصلت عليها من دبي في الزمن الغابر تلفت مني فقد اخذها مني بعض الاصدقاء خوفا على ضياعها وبدل ان يحفظوها في مكان آمن حفظوها في « فريزر » ثلاجة حتى انتهت وتمزقت ... انا تائه وكل ما افكر فيه هو رؤية بناتي والموت في بلدي.
سألته عن اسم زوجته وعما اذا كان يذكر اسماء بعض الجيران او الاصدقاء فقال من المؤكد ان الجميع قد فارق الحياة الآن فقد تركتهم منذ زمن بعيد زوجتي اسمها زليخة بنت خيري بن شبيب ، وكل من اعد اذكرهم هم : سعد الشروقي وعبدالله الشروقي وصالح الشروقي وعبدالله العادل وهم كلهم اخوان واتوقع ان بعضهم قد فارق الحياة .
لكن كيف كانت حياتك هنا في الامارات ومن اخبرك ان بناتك اتين لزيارتك ... يجيب فرج الجواب كله عند نواف الهاجري مظهرا قصاصة ورق صغيرة تحمل اسم نواف الهاجري ورقم تلفون ورقمين لشخص آخر اسمه فيصل راشد .
اتصلت بنواف الهاجري وسألته عن فرج فقال لي انه يرقد في المستشفى قلت له اعلم ذلك وانا اخذت رقمك منه فما هي حكايته فقال نواف انا اعرف فرج منذ سنين وتعرفت عليه عندما كان يعمل طباخا في مطعم بن عيد الشعبي بمنطقة الحمرية بدبي ، فقد كنت انا ووالدتي نذهب لنشتري بعض الاكلات الشعبية التي كان يطبخها فتقرب منا وتعرف علينا وصارت بيننا صداقة وظل يعمل في مطعم بن عيد الشعبي منذ 1987 حتى عام 1991-1992 اثناء ازمة الخليج تقريبا عندها مرض وكبر في السن فطرده المطبخ واخذته ليبقى عندنا حيث لم يكن قادرا على العمل وهو مريض ويحتاج الى رعاية عالجته وبقي معنا الى ان تزوج اخي الذي كان يسكن معي في البيت نفسه فتركت البيت وبقي معنا فترة ثم فارقنا كما ان فرج لديه اوراق من محكمة دبي مؤرخة بالعام 1982 وفيها يشهد شخصان انه موجود في دبي منذ 30 عاما ،وهذه الاوراق موجودة في ملفه بالمستشفى .. وقد زارتنا زوجته المطلقة مع زوجها مرة واحدة فقط وانقطعت عنا اخبارهم . وعلمت منهم انه كان يعمل في شركة البترول في السعودية لكنه لم يكن مسجلا عليها فقد كان يعمل كفرد في شركات الحفر التي كانت تتقاول من الباطن.
وذات مرة كنت مارا بمنطقة الحمرية في الشارقة فوجدته واخذته الى بيتي وظل لدينا فترة ثم انتقل للاقامة في الصحراء في زريبة . . وقبل نحو اربعة اشهر تقريبا كنت مارا بقرب الزريبة فرأيته يجلس تحت مظلة في مكان بعيد مريضا ولم يتناول طعاما منذ ثلاثة ايام وكان الجو شديد الحرارة حيث وصلت الى 51 درجة والرجل يكاد يفارق الحياة .. اخذته كي انقله للمستشفى وضعته في السيارة وعدت لأخذ غترته وملابسه فوجدته كان جالسا على ثعبان خطير وكبير وهو لم يكن يعلم . نقلته الى المستشفى ومنذ تلك المدة تمت معالجته وليس لديه الآن مكان يذهب اليه وانا لا استطيع انا استلمه او ان استقبله في بيتي فالحال على قده.
قلت للهاجري ان فرج يزعم ان بناته اتين يبحثن عنه وان هناك شخصا اسمه سالم الشامسي قابلهن لكنه لم يكن يعرف مكان فرج فقال لي نعم هذا الكلام صحيح واعطاني رقم سالم ابراهيم الشامسي .. واتصلت مباشرة بالشامسي فقال لي نعم جاءت ابنتاه للبحث عنه ولم اكن اعرف مكانه واخذنا ارقامهن في السعودية لكن للاسف الخادمة اضاعت الارقام .
سألته ماهي علاقتك بفرج فاجاب كنا نعمل معا ايام الغوص والصيد وكنا نذهب في رحلات الى البحر وننتقل بين السعودية والامارات ودول اخرى واذكر اننا عندما كنا نصل الى السعودية كان يذهب الى والدته ويأخذ لها سمكا . فهو شخص جيد والناس هنا كلهم كانوا يحبونه وهو من قوم معروفين في السعودية .
حاولت الحصول على اي معلومات اخرى من الشامسي لكنه اعطاني رقم زوجته الى توجد في عجمان وقال انها ربما تتذكر شيئا وان علي الاتصال بها ..
حاولت الاتصال بفيصل راشد الشخص الذي وجدت اسمه وارقامه في قصاصة ورق لدى فرج لكن الارقام مغلقة.
وفي المستشفى يحظى فرج برعاية شاملة وكل زملائه في العنبر الذي يتواجد فيها يعطفون عليه وبينهم احاديث ويتمنون مساعدته في الوصول الى اهله الذين اكدوا انه يذكرهم ليل نهار . ويبقى ان اشير الى أن فرج يقضي ايامه مستمعا للاذاعات السعودية وقد فؤجئت عند وصولي اليه انه كان يستمع لفنان العرب محمد عبده .لانه يجد في صوته رائحة المملكة.
http://www.alyaum.com/issue/page.php?IN=12553&P=1&G=4