السعودي ليس بعمالة رخيصة
.








.



د. حمزة بن محمد السالم
تُتهم العمالة السعودية بالتسيب وقلة الإنتاجية. وهذه تهمة باطلة لفقها بعض أرباب العمل ورددها آخرون بغير دراية. إن تجربة أرامكو السعودية تُكذب هذه الشائعة. فقد وظفت أرامكو البادية وعوام الناس رغم قلة علمهم وعدم انضباطيتهم ثم خرجتهم قادة في الإدارة والإنتاج ذوي ثقافة إنتاجية وخبرات متميزة، لا يعاب عليهم إلا إخلاصهم وولاؤهم المتفاني لأرامكو التي احتضنتهم فأكرمتهم علميا ومعنويا وماديا فلا يقبلون عنها بديلا.
إن راتبا مقداره 1200وحتى 3000ريال لن يُخرج ما أخرجته أرامكو من السعوديين المتميزين. إن صاحب العمل الذي يتشكى من تسيب وقلة إنتاجية العمالة السعودية هو نفسه الذي يُلوح بإيقاف الإنتاج وتسييب أمواله خارج الوطن إذا أُلزم بدفع أجور مرتفعة. فلم لا يزن بالميزان نفسه عند تقييمه للموظف السعودي الذي يقل راتبه عن 4000ريال فلا يلومه إذا انخفضت إنتاجيته والتزامه.

إن إعطاء الوظائف اللائقة اجتماعيا للعمالة الأجنبية الرخيصة رغم وجود القوة العاملة السعودية هو استنزاف لموارد الوطن المادية، وإيقاف لعملية تطوره ونموه، وهدم لمنظومته الاجتماعية وجرفه إلى الفقر والبطالة والجريمة.

يا ليت لو يدرك رجال الأعمال بأن تكاتفهم بتوظيف السعوديين بأجور عالية ( موافقة للمستوى المعيشي) هو أكثر ربحية لهم.

فعلى مستوى الاقتصاد الوطني فإن العمالة السعودية ستنفق مرتباتها داخل الوطن. ولا أدري إن كان رجال الأعمال يدركون بأن كل ريال يصرفه العامل السعودي داخل الوطن سينتج عنه ريالات مضاعفة تضاف إلى الناتج المحلي مما سيزيد من تجارتهم وأعمالهم.

ألا يعلم الذي يدافع عن العمالة الرخيصة بأنه يحرم الوطن من كسب الخبرات والتعلم واكتساب ثقافة العمل والإنتاج. يا ليت تجارنا يعلمون أن ارتفاع أجر العامل يرفع اهتمامه بعمله وولائه لشركته ويعلي همته ويزيد خوفه من فقدانه لعمله مع إرضاء لذاته ومحبته للمُلاك مما يؤدي إلى رفع الإنتاجية ويقلل من كلفة التغيب والفصل وإعادة التوظيف والاستقدام التي هي مكلفة جدا في حد ذاتها.

كانت القوة العاملة عام 1914م في أمريكا عمالة ليست بمهرة ولا متعلمة وكانت متسيبة حيث كانت نسبة ترك العمل والغياب 370% أي أن الشاغر الواحد يمر عليه ما يقارب أربعة موظفين في السنة الواحدة بسبب الفصل والتغيب. فقامت شركة فورد بمضاعفة الأجور، على شرط أن يكون المتقدم للوظيفة من سكان منطقة ديترويت، لأنهم هم الأبناء والأخوان وأهل المنطقة والأولى والأقرب الى الأخلاص والبقاء من غيرهم من العمالة. والعيب لم يكن في العمالة بل في الإدارة.

هذه السياسة رفعت جودة الإنتاج وكميته كما رفعت من مستوى الأخلاق وثقافة الانتماء إلى المؤسسة. وتوقف الفصل والتغيب مما قلل الكثير من الكلفة التي كانت تتكبدها الشركة والتي أصبحت عملاقا في صناعة السيارات آنذاك وأجبرت الآخرين على حذو حذوها.

نريد أن نجعل من وطننا مُنتجا لأجود المنتجات في العالم وبواسطة أبنائه.

الصناعات ذات الجودة العالية لا تنتجها الدول ذات العمالة الرخيصة بل تنتجها أمريكا وألمانيا واليابان وسويسرا وهذه الدول وأمثالها هي أيضا المُصنفة بأعلى الدول إنتاجية ومصنفة أيضا بأعلى مستوى للأجور. وهي أيضا التي احترمت مجتمعاتها إنسانية العامل فأعطته الحق بحياة كريمة.

العمالة الرخيصة لا تنتج إلا بضاعة تعيسة ومجتمعا طبقياً كسولا محبطا.