يسكن أغلبهم "بيوت الصفيح" وتتكفل "الضمان الاجتماعي" بتأمين معيشتهم
السعودية الدولة الأغنى في المنطقة أكثر من 1.5 مليون من سكانها فقراء


حرية في الطرح
غياب الإحصاءات الرسمية
عدم التكافؤ في فرص التنمية
اقتراحات وحلول
الفقر يهدد الطبقة المتوسطة
شفافية خادم الحرمين
جهود حكومية حثيثة
تضارب تصريحات



الملك عبد الله خلال جولته بالأحياء الفقيرة بحي الشميسي في الرياض



الرياض – عمر عبد العزيز

لم يعد الحديث عن الفقر في السعودية من المحظورات، بعدما كسر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الحاجز النفسي لتناول تلك المشكلة، عقب زيارته لبعض الأحياء الفقيرة في الرياض، في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2002، وتأكيده ضرورة اجتثاث الفقر من المجتمع.

ومثل حديث الملك عبد الله إشارة البدء لخروج هذه القضية إلى الرأي العام، فالدولة الأغنى في المنطقة، صار الحديث فيها عن الفقر أمرا عاديا، بعد أن كان البعض يتعامل مع قضية الفقر باعتباره "عارا" وشيئا يجب إخفاؤه، أو أنه غير موجود في بلد يملك أكبر احتياطي نفطي في العالم.


حرية في الطرح

ولا تخلو الصحف السعودية من نشر تقارير مصورة عن الفقر في السعودية.. تتضمن مشاهد لمجموعة من البشر تعيش في بيوت من الصفيح، لا يتوفر لها الحد الأدنى من الخدمات، أي أنه يمكن إدراج هؤلاء ضمن التصنيف العالمي للفقر المدقع الذي يقصد به خط فقر الغذاء.

ووفق تقديرات أولية غير رسمية فإن قرابة 20% من السعوديين البالغ عددهم نحو 17 مليون نسمة، تحت خط الفقر، ويعد أكثر من 75% من مواطني الدولة السعودية مدينين في قروض استهلاكية طويلة الأجل.

وتعكس أرقام عدد المستفيدين والمشمولين في قائمة مؤسسة الضمان الاجتماعي البالغ عددهم نحو 1.5 مليون فرد، يصرف لهم شهرياً حوالي 869 مليون ريال، حجم مشكلة الفقر في المملكة رغم الجهود المبذولة لمكافحة تلك الظاهرة (الدولار يعادل 3.75 ريالات).

وتعتمد أغلب التعليقات على الفقر في السعودية على دراسة لأستاذ الخدمة الاجتماعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور راشد بن سعد الباز، أجراها عام 2005، وحدد خلالها الحد الفاصل للوصول لمستوى الكفاف للمواطن بنحو 1660 ريالا شهريا، فيما يبلغ خط الفقر 1120 ريالا، بدون حساب تكلفة السكن.

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الدولة لحل مشكلة الفقر فإنها لا تزال قائمة، وما زال الضعفاء يبحثون عن المأوى والخدمات البلدية، التعليمية والصحية، فيما يبدو أن هناك خللا ما في أسلوب تطبيق استراتيجية مكافحة الفقر.


غياب الإحصاءات الرسمية

ويعلق أستاذ الاجتماع في جامعة الملك سعود الدكتور عبد الله الفوزان، على الفقر في السعودية، منتقدا في البداية عدم وجود دراسات وإحصائيات مبنية على أسس علمية، وعدم وجود خط فقر نستطيع القياس عليه في السعودية.

وقال في حديثه لموقع "الأسواق نت" إن الفقر موجود في كل دول العالم، ومعظم الدول المتقدمة تقوم بتعديل خط الفقر كل عام أو عامين بما يتناسب مع المتغيرات الاقتصادية الجديدة، ومن المؤسف أننا لا نملك أرقاما رسمية توضح الخط الذي يعد عنده المواطن فقيرا، خصوصاً أننا لم نتفق أصلاً على وضع حد أدنى للأجور.


عدم التكافؤ في فرص التنمية


تتمثل أسباب الفقر في التوزيع غير المتكافئ لمشروعات التنمية بين مختلف مناطق السعودية إضافة إلى عدم توافر المقومات الاقتصادية في بعض المناطق
عبد الله الفوزان

وتطرق الفوزان إلى عدد من أسباب الفقر، وقال إنها تتمثل في التوزيع غير المتكافئ لمشروعات التنمية بين مختلف مناطق السعودية، وهو ما أوجد فجوة تنموية بين المناطق المختلفة، إضافة إلى عدم توافر المقومات الاقتصادية في بعض المناطق، وهو ما تحاول الحكومة تجاوزه من خلال الاهتمام ببعض المناطق.

واعتبر أن من أهم أسباب الفقر أزمة السكن نتيجة ارتفاع تكلفة المساكن، مما أدى لظهور مناطق عشوائية حول مختلف المدن الكبرى، وكذلك المناطق التي تسكنها بعض فئات العمالة الأجنبية، وهي مناطق عشوائية محرومة من الكثير من الخدمات والمرافق وتشكل معاقل للفقر والجريمة، وزيادة معدل الفقر في الريف، والهجرة من الريف إلى المدن.

وأوضح أن العمل الخيري السعودي على الرغم من الخبرات المتراكمة في مناطق مختلفة من العالم، فإن خبراته تركزت في مجرد تقديم المساعدات الاجتماعية النقدية والعينية، وليس تحويل الفقراء إلى عناصر منتجة تستطيع كفالة أسرهم وتوفير مصادر دخل ثابتة لهم من خلال المشاريع المتنوعة؛ وهو ما يطرح ضرورة تدريب كوادر وطنية تستطيع التوافق مع أهدف الصندوق.


اقتراحات وحلول

واقترح الفوزان عددا من الحلول لمشكلة الفقر، مؤكدا في البداية أهمية دراسة الظاهرة إحصائيا؛ لنتمكن من تحديد الفقراء وعدم التخبط في تنفيذ البرامج، والانتباه إلى أن برامج التنمية يجب أن تتحيز إلى المناطق الريفية، وتعزيز دور الضمان الاجتماعي والزكاة وصرفها على المستحقين.

وشدد على أهمية تفعيل دور الجمعيات الخيرية وتبني استراتيجيات جديدة للعمل الخيري، وتحويل الأسر الفقيرة إلى منتجة، ودعم السلع والخدمات حتى تكون في متناول الفقراء ويستطيعوا الحصول عليها، وتوفير السكن.


الفقر يهدد الطبقة المتوسطة


الطبقة الوسطى تتحمل تبعات التضخم الذي يعيشه اقتصاد المملكة، مما أدخل هذه الطبقة في أزمات مالية خانقة ويبدو أن البعض في طريقه للدخول في قوائم الفقراء،
خالد الخثلان

من ناحيته، حذر الخبير الاقتصادي الدكتور خالد الخثلان من تحول الطبقة المتوسطة إلى فقيرة، مما يعني توسع الأخيرة، وهو ما يضر بالاقتصاد، حيث يؤدى إلى خفض الطلب.

وأوضح الخثلان -في تصريحات لموقعنا- أن الطبقة الوسطى تتحمل تبعات التضخم الذي يعيشه اقتصاد المملكة، مما أدخل هذه الطبقة في أزمات مالية خانقة، ويبدو أن البعض في طريقه للدخول في قوائم الفقراء، وقد يؤدي تنامي التضخم إلى تلاشي الطبقة الوسطى.

وشدد على أن علاج مشكلة الفقر في السعودية مصلحة قومية، وينبغي رفع مستوى دخل الفقراء للتحول إلى طبقة متوسطة لزيادة الاستهلاك، ورفع مستوى الادخار، مما ينتج عنه زيادة في الاستثمارات والمشاريع الصغيرة.


شفافية خادم الحرمين

ونبه إلى أهمية استغلال الظروف المواتية الحالية وشفافية خادم الحرمين الشريفين، الذي تحدث عن مشكلة الفقر، ومن باب أولى أن تقوم المؤسسات المعنية بالتعامل مع المشكلة بأرقام وإحصائيات للحل.

وشدد على أهمية إيجاد قاعدة معلوماتية حول الفقراء بالمملكة وتوزيعهم الجغرافي وفئاتهم الاجتماعية والاحتياجات التنموية للمناطق التي يعيشون فيها، ولا شك أن غياب هذه المعلومات يمثل عائقا كبيرا أمام التعامل مع مشكلة الفقر، وبرامج مكافحته.


جهود حكومية حثيثة

وكان حديث الملك عبد الله عن الفقر بداية لتحرك قوي لمعالجة المشكلة، حيث تم وضع الاستراتيجية الوطنية لمعالجة الفقر، وإطلاق الصندوق الخيري الوطني، واعتمدت ميزانية ضخمة قدرت بمليارات الريالات خصصت للإسكان الشعبي، ورفعت مخصصات الضمان الاجتماعي بمستوى الضعف، والجمعيات الخيرية بأكثر من 200%.

ويهدف الصندوق إلى إصلاح الأحوال الاجتماعية للفقراء من خلال دعم المشاريع التنموية، ويدعم البرامج الهادفة لتنمية قدرات ومهارات الفقراء، وذلك عبر عدد من الآليات منها تقديم القروض الحسنة لإقامة مشروعات استثمارية صغيرة لفئة الفقراء أو تطوير القائم منها؛ لمساعدتهم على القيام بأعمال تتناسب مع قدراتهم وإمكانياتهم، توفير الخدمات الاستشارية، ودراسة الجدوى الاقتصادية الأولية للمشروعات الصغيرة الموجهة للشرائح الفقيرة، تدريب الأفراد المستهدفين على إدارة مشروعاتهم.

وأطلق الملك عبد الله أضخم مشروعات الإسكان الخيري من خلال مؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان الخيري، وتمَ اعتماد إنشاء آلاف الوحدات السكنية، وتوالت مشروعات الإسكان الخيري، التي تقدم خدماتها للمحتاجين، كمشروع الأمير سلطان بن عبد العزيز للإسكان الخيري، مشروع الأمير سلمان بن عبد العزيز للإسكان الخيري، وكثير من مشروعات الخير والمساعدات الإنسانية.


تضارب تصريحات

وكان عبد المحسن العكاس وزير الشئون الاجتماعية السعودي السابق، جدد تأكيداته في شهر شباط/فبراير الماضي بأنه لا يوجد في المملكة فقر مدقع، وقال إنه تم التغلب على الخط الأول من الفقر وهو "المدقع"، وهو الذي يعني توافر إجمالي تكلفة الاحتياجات الغذائية الأساسية للأسر في مختلف المناطق.

وقال إن السعودية تعمل على التغلب على مشكلة الخط الثاني من الفقر "المطلق"، المتمثل في إجمالي تكلفة الاحتياجات الأساسية الغذائية وغير الغذائية، وفق وسائل متعددة تهدف إلى مساعدة الأسر المحتاجة.

وجددت تأكيدات الوزير جدلا كان قد ثار سابقا بينه وبين خالد القصيبي وزير الاقتصاد والتخطيط، حول التوقيت المتوقع للإنهاء على الفقر المدقع، حيث كان القصيبي قال في وقت سابق إن بلاده ستقضي على الفقر كليا في عام 2009، قاصدا الفقر المدقع، بينما أعلن وزير الشئون الاجتماعية أنه تم التغلب على الفقر المدقع عام 2006.

وتم إعفاء العكاس في نهاية الشهر الماضي بناء على طلبه، وتعيين الدكتور يوسف العثيمين بدلا منه.