تحليل اقتصادي - سعر النفط يحرّك العالم
ميشال مرقص الحياة - 16/06/08//

حرّك ارتفاع سعر النفط المسؤولين في العالم للبحث عن حلّ، في ما يعرف بصدمة النفط المتجدّدة. الرأي العام في الكثير من البلدان، ان لم يكن كلّها، يحدثُ ضغطاً متزايداً على مسؤوليه، وهؤلاء باتوا يدركون أهميّة النتائج التي يتسبّبُ بها ارتفاع أسعار النفط، الذي يثقل على نمو النشاط الاقتصادي ويعرقله. فلم يكن صيادو الأسماك والسائقون والمزارعون، في بلدانٍ متقدمة مثل فرنسا وإسبانيا، الوحيدين الذين أطلقوا صفّارة الخطر، بل تجوّلت الاحتجاجات العنيفة بين سيول (كوريا الجنوبية) ووهران (الجزائر)، والقاهرة (مصر)، ومانيلا (الفيليبين) والهند، وفي أي مكان في العالم، تسبّب ارتفاع أسعار المحروقات بردود فعلٍ عنيفة.

تجاه هذا التهديد المباشر والعنيف، كان لا بدَّ من ان يتحرّك زعماء العالم، لما للارتفاع من انعكاساتٍ خطيرة على البلدان المنتجة للنفط أو تلك المستهلكة. فارتفاع أسعار النفط والمحروقات قاد إلى سلسلة ارتفاعات رئيسة في أسعار مواد أساسية أولية وغذائية، هدّدت عائدات النفط المتعاظمة، بالذوبان لتغطية احتياجات المواطنين، الذين لم تعد دخولهم تغطيها. وبات المسرح العالمي يشهدُ سلسلة لقاءات قد تسمح للمسؤولين باستبصار الأمور بوضوح وترتيبها في مواقعها داخل هذا الملف المتفجّر.

وكان اجتماع وزراء مال مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى، في أوساكا (اليابان) محطّةً مهمّة. وعلى رغم ان ما صدر عنها لم يتخطّ تمنياتٍ وتحذيراتٍ، كان يعلن عنها في مواقف متفرقة، إلا ان تكليفها صندوق النقد الدولي التحقيق في أسباب ارتفاع أسعار النفط، قد يبدو مفيداً لتصحيح الخلل الحاصل، بتدارك الأسباب.

لكن واقع ارتفاع أسعار النفط والمحروقات، قد يتخطى الأسباب المباشرة المعلن عنها، أي تقلّص عرض النفط الخام أو المضاربة. قد يكون السببان صحيحين، لكن الذي يؤجج المضاربة هم المستثمرون الذين انكفأوا عن أسواق المال، وعن بورصات الأسهم، وعن الأدوات المالية المشتقة، سواء في أسواق نظامية أو رضائية، لا سيّما الأدوات التي تطرح لأجَل محدّد، وباتت غير مضمونة في مناخ الحذر الذي يسود أهم مراكز المال في العالم. أصحابُ الملاءات المالية العالية، من شركات نفطٍ مستفيدة، أو أفراد يسعون إلى الربح السريع، هم القادرون على ان يرفعوا سعر المواد الأولية أكثر مما يجب بكثير، ويخفضّوها، بهدف الشراء ومن ثم الكسب السريع. هؤلاء قادرون أيضاً، على ان يجفّفوا الفوائض التي يمكن ان تطرحها الدول المنتجة للنفط.

في مطلق الأحوال، القمة الأوروبية ستبحث في بروكسيل الأسبوع المقبل تأثير أسعار النفط في الاقتصاد الأوروبي، وسبل مواجهته. لكن ما يعوّل عليه، هو الاجتماع الذي دعت إليه السعودية، ويعقد في جدة في 22 حزيران (يونيو) الجاري، يجمع البلدان المنتجة والبلدان المستهلكة للتباحث، ولجلاء الأسباب في أفضل الأجواء المتاحة.

وللتخفيف من الطلب على النفط، تسعى دولٌ مثل إيطاليا، إلى تجفيف سيولة المنافسين والمضاربين بزيادة الاحتياط المصرفي الإلزامي وتشديد الضوابط على الأموال، فيما دعت مجموعة الثماني، الدولَ الداعمة، إلى وقف الدعم، متهمة البلدان الناشئة بدعم استهلاك البنزين وتغذية الطلب العالمي بلا مسوّغ. وفي المقابل أمرت بروكسيل الأسبوع الماضي، دول المجموعة الأوروبية منح المهن الأكثر تضرراً «دعماً مستهدفاً»، ما يجعل موازين التعاطي في شأن الدعم غير سوية. فالراغبون في منع الدعم لدى الآخرين، يسعون إلى توسيعه داخل بلدانهم. وعلى رغم ذلك، فالحوار يرتهن أيضاً بالمفاهيم الغامضة، وهو أمر جيد. لكن لا يبدو سهلاً التغاضي عن التجاوب مع طلبات الناس بالمساعدة. فالصعوبة تبدو لجهة «أوبك» في أنها غير قادرة على زيادة الإنتاج مباشرة، وتبدو لدى دول مجموعة الثماني، في أنها لم تتجاوب مع نداءات الشعوب اليائسة بالمساعدة، كما يصعب الحؤول، أمام البلدان الفقيرة، من ان تتقدم. لذا سيسمح الحوار المتوقع في جدة، لكل جانب بأن يعبر عن رأيه جيّداً، ما قد يساعد في تخفيف حدّة المضاربات. لكن ما يُخشى، هو ان يتحاور هذا العالم ولا يتوصل إلى تفاهم.

من جهةٍ ثانية، يلعبُ انخفاض سعر العملة الأميركية، دوراً أساسياً في ارتفاع أسعار المواد والسلع وإحداث التضخم. فانحلال النظام النقدي العالمي في بداية سبعينات القرن الماضي، أتاح للدولار ان يثبت ذاته عملة عالمية، وترجم ذلك بتنوع صارخ في سعر الصرف، قاومته مؤسساتٌ ومصارف، بمجموعة أدوات مالية للمؤسسات تساعدها على تغطية الأخطار، ومن هذه الأدوات المشتقات المالية الثابتة المكتتبة في الأسواق المنظمة الناشئة.

كما تميّزت نهاية السبعينات بتنوع صارخ في معدلات الفائدة، إثر تضخم قوي، نتيجةً للصدمة البترولية آنذاك وتغيير في تصميم تنفيذ سياسة نقدية أميركية. وجابهت المنشآت والمؤسسات المالية خطر معدلات الفائدة، التي كانت لانعكاس اتساعها، ارتدادات مهمة في الولايات المتحدة وأوروبا على النشاط الاقتصادي.

وبدا لارتباط العملات العالمية بالدولار، في سياقه نزولاً أو صعوداً، ضعيفاً أو قوياً، حسنات، كما تترتب عليه أخطار مجازفة، لا تطاول المؤسسات النقدية فحسب، بل تصيب المواطنين أصحاب الدخول، نتيجة التضخم لدى ارتفاع الأسعار، أو تصيب الاستثمارات والنمو نتيجة ارتفاع الفوائد. وإذا ثبت سعر سلعةٍ من السلع بقياس قيمتها الحقيقية مثل المعادن الثمينة، فإن سعرها الجاري بالدولار سيتضاعف، ومن هذه السلع النفط، المعروف بـ «الذهب الأسود»! ما يعنى ان سبب ارتفاع أسعاره قد لا يعود فقط إلى شحٍ في الإنتاج ولا إلى منافسة جائرة، بل إلى دولارٍ ضعيف!

فهل ينقذ اجتماع جدّه ما أخفقت عنه اجتماعاتٌ عالمية أخرى؟