من المألوف عرفا أن كبار السن يرفضون التغيير في حياتهم، بل لا يسمحون لغيرهم بأن يغيّرهم، حتى لو أنك غيّرت مكان غرض من أغراضهم مثلا فإنه يتّهمك بأنك أنت المخطئ، وتجده يقاوم أشد المقاومة مبدأ


السماح لمن حوله أن يغيّر نمط حياته.

كلما كبرنا زاد تمسّكنا بالمألوف عندنا، وصيّرناه طقوسا في حياتنا أبدا ما نسمح لأحد باختراقها أو حتى التعليق عليها ونراها هي الصواب والصواب كله..

أنا شخصيا حينما أتعامل مع كبار السن، وأرى منهم ذلك التمسك بطقوسهم أحدّث نفسي قاءل : "يا ترى هل ساصبر مثلهم عندما اشيخ !"، وبصراحة -- أنا أخاف على نفسي من الاستفراد


بالإصرار على صحة طقوسي عندما أهرم!! أخاف على نفسي من تصلب الرأي الذي نشهده في حياة كبار السن ممن نعزّهم كثيرا ولكن لا يعجبنا انغلاقهم على أنماطهم!! نحن بلا شك سنكبر ونهرم ونشيخ، ولا ضير من


ذلك، إنما هي الحياة أدوار إذا أدّيناها بتمامها نسأل الله أن يتقبلنا عنده بقبول حسن، وعندها ستنتهي حياتنا وأدوارنا وسنرحل كما رحل غيرنا، ولكن مادامت لنا أنفاس مستمرة فلابد أن نؤمن بأن الحياة حلوة


وطيبة وهانئة مع التجديد والحيوية والتقبل للرأي والرأي الآخر، ولنروّض أنفسنا قبل أن نهرم على المرونة في التعامل مع أعرافنا وطقوسنا، ولا نربط الراحة والسعادة بعادات ومألوفات اعتدناها؛ كي لا ننزعج لو


فقدناها، أو حاول غيرنا في لحظات ضعفنا أن يُفقدنا إياها.. لذا نحن لا نريد أن نصطدم مع كبار السن؛ لأننا سنكبر ونلعب الأدوار نفسها مع من يجتهدون في تغييرنا لذا فلا أحد يلوم أحداً، فما ننزعج منه من تصلب


كبير السن في طقوسه ما ندري قد يأتي اليوم الذي نحن نبدي أيضا التصلب نفسه مع من هم «ورعان» - أي صغار- في أعيننا مهما كبروا..

كلما كبرنا صرنا أكثر رفضا لأن يغيّرنا غيرنا، وكلما صغرنا - ولن نصغر - صرنا أكثر مرونة وسماحة لتقبل تأثير غيرنا علينا؛ لذا لو كنا ألبّاء في عقولنا، وأدركنا خصائص الشيخوخة عند كبار السن من حولنا لما


اجتهدنا في محاولات تغييرهم؛ كي لا نخسرهم ونحن وهم على عتبات نهاية حياتنا، فلا ندري متى رحيلنا ورحيلهم.

ثم إن هذه الطقوس عند كبير السن تشكل له الراحة في حياته، فلندعه وطقوسه وما اعتاد عليه ما لم يكن محظورا شرعيا.

أصلا نحن لا نملك تغيير غيرنا، ولا عندنا عصا سحرية لنحرر الناس مما هو مزعج في حياتنا.. نعم، نحن نمّهد للتغيير، ولكن كن متأكدا من أنه لا أنا ولا أنت نملك تغيير غيرنا.. نعم أنت تغير نفسك،


تغير حياتك، تغير شخصيتك، طبعا إلى الأحسن، ولكن لا تتعب نفسك مع كبير السن، فهو يعتقد أنه يمتلك من الخبرات والفطنة في الحياة ما يجعله صاحب قرار لنفسه، بل عنده ثقة بقدراته أنه قادر على تغييرك!! ألا تلا


حظ أنه باستمرار يقدم لك النصح مختزلا لك حياتك التي يراها طويلة بالنسبة له؟! بل قد يتدخل في حياتك شئت أم أبيت.. لماذا؟ لأنه يعتقد في نفسه أنه أفضل مني ومنك؛ لذا تجده يوزع تجاربه الحياتية وعليك أن


تسمعها منه رضيت نفسك أم لم ترض.

شريحة من كبار السن يرونك رضيعا لا تفقه كثيرا مما تقول، ولا تفهم شيئا من الحياة، ولسان حالهم ومقالهم معك لو حاولت أن تغزو عليهم حياتهم لتغيرها لهم يقولون لكن "إنت بزر- أي طفل ـ بكسر الباء والزاي.. إنت


تفهّمني وتعلّمني !! وتطلب مني أعيش على كيفكم؟! لا يبه روح علّم عيالك ومرتك ـ أي زوجتك ـ تراهم أولى بك!!» رفض شديد وقاطع للتدخل في حياته!!

أرجوك لا تخسر كبيرك الذي علّمك واليوم تريد أن تلعب دور المعلم له، كيف تتوقع منه أن يقبل منك؟! هو لن يرضى منك إلا ببره والإحسان إليه، ولا تخسره؛ فاليوم هو معك وغدا أنت فوق التراب وهو


تحته، وربما العكس صحيح، والفارق بينكما نبض القلب بالحياة!!