عندما تنقلب الموازين
ويصبح القابض على الحق، كالقابض على جمر من نار.
و..
عندما تخترق الشرائع والعهود والمواثيق والقوانين الصغرى والكبرى، لدى المجتمع الأصغر بدءاً، والمجتمع الأكبر انتهاءً.
عندما يصبح السكوت على الأمر (الحاصل) (ولا أقول لأننا جزء من حالة صنعته وجعلته واقعاً)، أقول عندما يصبح السكوت أمراً هو أفضل أمورنا، وأنجاها، ومحاولة إقناع النفس، والأخطر اقتناعها، بأن هذا السكوت هو الحالة المثلى والأسلم.
وعندما يكون الضمير الجمعي لحوامل مجتمع شبه غائب، أو مغيب نفسه، فإننا أمام حالة ليست جديرة بالتوقف عندئذ فحسب، بل بالتدقيق، والتحقيق، والتمحيص.
والسؤال الأكبر الذي ما زال غائماً في الأذهان، غائباً عن الطرح: هو لماذا؟ وكيف؟ وإلى متى يبقى العقل هاجعاً لا يفصح عن ذاته لضمير أمة بأكملها، ومجتمع بأسره؟!
إن أخشى ما نخشاه هو أننا لم ندرك بعد دورنا، إننا لم نعِ وجودنا فيكون لنا كيان لنحققه، في هذا الوقت من هذه اللحظة التاريخية التي ستؤرخ لعملنا مهما كان هذا العمل، في هذه اللحظة التي ستكون شاهداً علينا وعلى عصر عشناه لم نؤد دورنا فيه كما ينبغي.
وأخطر الخطر: هو إدراكنا الوهمي المجتزأ القاصر لطبيعة ما نعيشه، وزعمنا بأننا وحدنا، ووحدنا فقط، نمتلك الحقيقة والتاريخ والمجد والسؤدد الغابرين.
فلنقف مع أنفسنا: وقفة مع الذات، وقفة مكاشفة ومصارحة حقيقية تضعنا في مواجهة أوهامنا التي خلقناها لأنفسنا وصدَّقناها، ولنمتلك إرادة العيش الحقيقي الكريم الحر، إرادة الخلق والإبداع، إرادة التغيير، كيما ننشر في العوالم من جديد، كيما نبعث بكامل حضارتنا قبل أن يفوتنا الزمن، فلا يعود يغفر لنا التاريخ.
فعلى من نكذب؟ ومن نمالئ؟ أنفسنا، أم الناس البسطاء الشرفاء، أم هذا الوطن الغالي على امتداد تاريخه ونضاله وتضحياته وترابه الطاهر وقلبه الرؤوم.
فسلاماً أيها الوطن الغالي.
يا من لن تكتب صفحاتك التي من نور، إلا بيد الشرفاء من أبنائك، ولن يعلي بنيانك إلا أولو الفخر والعزم منهم: الصادقون، المؤتمنون، الباذلون، المضحون.