الطبقة الراقية

لدينا خلط كبير في معظم المفاهيم وأعتقد أن المسألة عادة ما تخضع لمعايير كل مجتمع على حدة، لكنني اليوم أركز على وصف الطبقة الراقية في مجتمعنا مثلاً، أو حين نتحدث عن شخص ما ونصفه بأنه راقٍ.
أكثر ما استمعت إليه من وصف ومديح لأناس تركوا انطباعات عنهم في ذهن المتحدثين عنهم بأنهم راقون جداً، كان أغلبه ذا صلة مباشرة بتفاصيل خارجية وهندام وملابس ومتعلقات باهظة الثمن، لم أستمع في أي وصف عن إنسان أو إنسانة راقية وكان مكللاً بالمديح والإبهار إلا وكان متعلقاً بسيارة فاخرة أو منزل فخم وطاقم من الخدم المدرَّب وإلى آخر تفاصيلنا الخارجية التي بقينا أسرى لها فترة طويلة كانت على حساب العقل والفكر والتقاط معظم الممارسات الإنسانية والأخلاقية التي يجب أن يكون التركيز عليها.
الرقي في مفهوم البعض لا يركز على أن الإنسان الراقي هو الإنسان المتحضر بمعنى يتجاوز معظم الأساليب البالية أو الهمجية التي لا تعتبر بوجود الآخرين ولا تحترمهم، فأنت لا يمكن أن تغفر لمن يسكن منزلاً فخماً ويقود سيارة باهظة الثمن وهو لا يرد الاتصال على مكالمة هاتفية من زميل له أو صديق فتصفه بالرقي، ولا يمكن أن تغفر لسيدة تلبس المجوهرات وترتدي أغلى الحقائب والماركات وتتحدث في الصوالين الاجتماعية عن الأسهم ومشاكل الخدم وآخر صرعات الموضة والماكياج وتصفها بالرقي بينما تهين العاملين لديها وتتصرف بشكل فوقي مع من هم أدنى منها ولا تحضر أي مناسبة في مواعيدها وربما لا تعتذر عن عدم حضور ما دعيت إليه.
هناك محور آخر يؤكد ما أشير إليه هنا، وهو أن وصف الطبقة الراقية لدينا لا يشمل أناساً بسطاء جداً لكنهم بلغوا الرشد فكرياً وحضارياً وإنسانياً، ولم أستمع إلى وصف أو شهادة عن أشخاص من الطبقة المتوسطة اجتماعياً أو ما هو أدنى بما يصفهم بالرقي مثلاً، فهناك من لا يمكن أن يتجاهل المواعيد ولا يلغي هامش من معه من الناس حتى وإن كانوا أقل منه علماً وخبرة ومن يترفعون عن كل الصغائر ويحتوون كل التفاصيل الصغيرة ويترفعون عنها ويرهنون أنفسهم لقاء كلمة أو وعد، رغم أنهم لا يلبسون ثياب باهظة الثمن ولا يقتنون أغلى المجوهرات ولا يجوبون العالم للسياحة، لكنهم فعلاً أثرياء بعقولهم وبأخلاقهم وتعاملاتهم مع الآخرين.
ليس فهمنا للرقي وحده من يفعِّل أزمتنا تجاه المفاهيم العامة، ولا حتى كيف نفهم أساسيات ما حولنا، بعدما أصبح معظمنا تائهاً بالفعل بين مفاهيمنا البسيطة التي تربى عليها أجدادنا وكانوا مثالاً للأخلاق ومنبعاً للقيم، وبين مفهوم زائف للحضارة والرقي تعلق بالتفاصيل والرتوش وألغى جوهر الحقيقة، فلا تدري أي مبلغ يكلفك وصف الراقي في المجتمع أو يستنزفك، أو تصبح مجرد (قروي) كدليل آخر على نفيك إذا لم تتوفر لديك تلك الهوامش المكلفة!



منقول (الجزيرة ) للكاتبة نورة المسلم