من روائع الأسلوب العلمي في العمل هو مرونة تطبيقاته في مجالات مختلفة لا علاقة لها بالمجال الأصلي الذي نبعت منه الفكرة أو النظرية أصلا... فقد نال جون ناش مثلا جائزة نوبل عام 1994 في الاقتصاد عن أفكار في مجال مختلف وهو الرياضيات... طبعا لا توجد جائزة نوبل لفرع الرياضيات ولكن الطريف في الموضوع أن ذلك الرجل لم يدرس إلا مادة واحدة في علم الاقتصاد طوال فترة دراسته الجامعية، ولكن أفكاره في الرياضيات كانت مرنة لدرجة أنها أحدثت تغيرات جذرية على ذلك العلم... وقد تم تطبيقها في مجالات متعددة ومنها العلوم السياسية، وعلم الجريمة، والعلوم الإدارية أيضا... بل ويمكن تطبيقها في العديد من المجالات ذات العلاقة بدور السلوكيات الجماعية في اتخاذ القرار... شاملة الغلاسة، والتنغيص، والغش ولا ننسى النذالة طبعا... ومما لاشك فيه أن علوم اتخاذ القرار وبالذات العلوم الإدارية قد تطورت في السنوات الأخيرة الماضية لتصل إلى مستويات رفيعة المستوى فيما يتعلق بالدقة... وقد لعبت العلوم الهندسية دورا مهما في ذلك التطور حيث تم تقنين أساليب اتخاذ القرار وخصوصا أن الدقة و الاقتصاد هما في جوهر الأسلوب الهندسي... وتولدت الهندرة... يعنى هندسة زائد إدارة... وبصراحة ناسبتني هذه الهندرة من زمان فهي من لعبت العلوم الهندسية دورا مهما في ذلك التطور حيث تم تقنين أساليب اتخاذ القرار أروع الأساليب العلمية للترشيد، وأمثلة (بفتح الثاء) استخدام الموارد، ومكافحة التبذير في الجهد والوقت والمال... ولكن طبيعة البشر أوجدت جانبا آخر للمعادلة... فضلا لاحظ أن الهندسة زائد الإدارة تساوى الهندرة... والهندسة زائد الإدارة زائد البكّش تساوي الهمبكة... وهي توحي لنا باستخدام الأسلوب الهندسي في اتخاذ القرارات بينما نجد أن الواقع غير ذلك تماما...

ولا يخفى على الجميع أن البكش يستخدم بأشكال وألوان مختلفة على نطاق واسع جدا من قبل معظم الكائنات... وفي الواقع فأثناء كتابتي لهذه السطور توجد بالقرب من جدران مكتبي وزغة صغيرة جدا تمارس التمويه لكي لا أراها... يعنى بكش زواحف لا مؤاخذه... بل وعلى سطح مكتبي بعض التقارير «المرشوشة» بالهمبكة وبعضها من جهات محترمة... يعني يعنى... صدقني أنك لا تحتاج أن تبحث عن البكش والفراخة والهمبكة فهم أمامك يوميا... ولكن المحزن في الموضوع أن الأمور لن تتحسن فهذه الممارسات السيئة في نمو مستمر، وغالبا أن الصورة ستكون أسوأ مع مرور الوقت... وفي الواقع فهذه النظرة الداكنة تنبع مباشرة من أحد قوانين الهندرة وهو شهير باسم قانون مورفي... ويشير إلى مبدأ يقول أن احتمالات الأخطاء في العمل غالبا ستتحقق مهما كانت احتمالاتها ضئيلة... وجذور القانون هندسية فقد اكتشفها ثلاثة أشخاص عام 1949 في الولايات المتحدة أثناء إجراء بعض التجارب في مجال هندسة الطيران... شرع إدوارد مورفي (مهندس) وجون ستراب (طبيب) وجون نيكولز (مدير مشاريع) في إجراء تجارب فى صحراء كاليفورنيا لصالح سلاح الطيران الأمريكي، واكتشفوا أن الأمور الفنية كان ممكن أن تصل إلى مرحلة «الخبيصة» بدون أي عناء وبالتالي فقد جرت التجارب آخذة في الاعتبار أسوأ الاحتمالات ونجحوا في عملهم وولد قانون مورفي بسببهم بعد عقد كامل من عملهم ويستخدم يوميا في ملايين الأماكن حول العالم... وهناك العديد من القوانين المشابهة ومنها قانون ماير الذي يقول أن «لو خالفت الحقائق نظريتك... فتخلص من الحقائق» وهذا الجانب من الأبعاد المخيفة في الهمبكة... وأخيرا فلابد من التنويه بأن هناك العديد من أشكال وأنواع الهمبكة ومنها السياسية والتجارية والزوجية والتعليمية والإعلامية بل والعمرانية أيضا وهي مجموعة ممارسات خداعة في تخطيط المدن تستخدم البكش والمراوغة والبعد عن الإنسانية وتمارس في القدس الشريف اليوم... وكل يوم.

أمنيــــة :
طبعا بعض من ممارسي الهمبكة أوضاعهم مكشوفة بل وستجد نسبة منهم بداخل سجون العالم المختلفة، ولكن معظمهم أحرار بيننا وأشكالهم عادية فتكاد ألا تفرقهم عن الكائنات الطبيعية الصادقة... أتمنى أن يمنحنا الله عز وجل البصر والبصيرة لكشف خبايا الهمبكة بجميع أشكالها وأبعادها
والله من وراء القصد.

عكاظ