من أقبح و أبشع الخصال مقابلة الإحسان بالإساءة ، وهذه الخصلة لا تصدر غالباً إلا من الأناني الانتهازي قليل الدين .
وهناك من يحصل له رد فعل سلبي وعكسي ضد عمل الخير إذا شاهد من يسيء إلى المحسن إليه ، فأوردوا جملة اعتبروها حكمة ، وهي ( اتق شر من أحسنت إليه ) ، وهناك أيضاً مثل بالعامية يقول : ( لا تسوّي خير فيجيك شر ! ) .
لكن ينبغي أن لا تكون هذه الأمثال أو مافي معناها حائلاً بين الإنسان و بين عمل الخير والبر والمعروف .
والجحود والعقوق يحدث عادةً في أوساط الأمراء والحكام لتنافسهم على الزعامة وتهافتهم على طلب المناصب .
ومن أشهر هذه الوقائع حسب ما ذكره المؤرخون ما جرى لإحدى زوجات المعتضد العباسي من ابن زوجها ، وهي ( شغب ) أم المقتدر ، وكانت تحسن إلى ( القاهر ) ابن زوجها ، حيث كانت تقدم له الهدايا وتشتري له الجواري ، فكان جزاؤها أن عذبها لما تولى الخلافة بعد مقتل ابنها ( أخيه المقتدر ) وحبسها لتدله على أموالها وجواهرها ، وبعد موتها تم خلعه ثم عمي بعد فقأ عينيه ، وفي آخر عمره افتقر واضطر لسؤال الناس ، وقد ولي الخلافة لمدة سنتين .
وكذلك ماحدث لمظفر الدين قطز ، الذي هزم التتار في عين جالوت ، حيث كان محسناً للظاهر بيبرس ، لكن بيبرس غدر به و قتله وتولى مكانه .

وعند الحديث عن العقوق يتبادر للذهن المثل المعروف ( جزاء سنمّار ) ، أو قول الشاعر :
[POEM="font="Simplified Arabic,5,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]أعلّمه الرماية كل يوم = فلما اشتد ساعده رماني
وكم علّمته نظم القوافي = فلما قال قافية هجاني[/POEM]ولقد أثار العقوق ونكران الجميل قريحة بعض الشعراء، حيث جادت بقصائد ضمّنوها كثيراً من الأسى والحسرة والشكوى من خيبة الأمل ممّن جازوهم بالصدود والجحود .
قال أبو بكر الخوارزمي يشكو مالقي من تلميذٍ له يُدعَى أبا بكر :
[POEM="font="Simplified Arabic,5,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]هذا أبو بكرٍ صقلتُ حسامه = فغدا به صلتاً عليّ وأقدما
أمسى يجهّلني بما علّمته = ويُعدّ من ريشي لرميي أسهُما
يا منبضاً قوساً بكفّي أُحْكِمَتْ = ومسدّداً رمحاً بكفّي قُوِّما
أرقيتَ بي في سلّمٍ حتى إذا = نلتَ الذي تهوى كسرتَ السلّما[/POEM]وقال أبو القاسم الدينوري في ابنه العاق :
[POEM="font="Simplified Arabic,5,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]ربّيته وهو فرخٌ لا نهوض له = ولا شكيرٌ ولا ريشٌ يواريه
حتى إذا ارتاش واشتدّتْ قوادمه = وقد رأى أنه بانت خوافيه
مدّ الجناحين مدّاً ثم هزهما = وطار عنّي فقلبي فيه مافيه
وقد تيقّنتُ أني لو بكيتُ دماً = لم يرْثِ لي فهو فظ القلب قاسيه[/POEM]

انتهى

المواصل