الإسقاط وبراءة الإدارة
الإسقاط نقل ما تشعر به من إحباط وفشل لتتهم به الآخرين ، والإسقاط الإداري .. هو البحث عن براءة الإدارة العليا في اتهام الموظفين عن طريق التسلسل الإداري ، وإذا تمركز هذا الإسقاط وتغلغل في نفوس من يتولى الأمر ليبدأ منهم وينتهي بهم .. فما عليك إلا أن تندب حظ الموظف بصورة باكية .. وإذا بقيت لك من الإنسانية شيئاً فسوف تعيش لحظات يومك مفكراً لهذا الموظف الذي أصبح يهتز ، فتعرف اهتزازاته الداخلية بينما تظهر منها الخارجية للآخرين أنه يتراقص إن أصيب بحالة برد شديدة ولا بد أن يتعايش معها .

سنوات عديدة مضت وكأن الموظف هو السبب في فشل الخطة , وعدم تحقيق ما تطلبه الإدارة العليا والوسطى أيضا ، وباتت الدراسات والدورات والمحاضرات والتهديدات والعقوبات والوساطة وكل أنواع ( التاءات ) .. تتحرك في إطار ملعب الموظف الذي اتهمته الإدارة الوسطى والعليا أنه السبب في هذه الانتكاسة .. وبات الموظف مهموماً فقد حارت حيرته في الوقت الذي أصبح مديره ومديروه سعداء لأنهم اكتشفوا موقع الخلل وسوف يسعدون للتصحيح حتى لو أستدعى الأمر لتنقلات والنفي في مواقع المنفى للتعامل مع الصمت أو الأصوات المزعجة .. وضحك الكبار عالياً ليغيب أنين الموظف الصغير ، فهو لا يستطيع أن يصل إلى أكثر من مستوى إداري واحد ، بعدها توصد الأبواب الإدارية أمامه ، وإذا حاول التعدي فسوف يتضرر فذاك هو اللحام أقصد النظام ..

ودارت الأيام ومضت السنون وعدنا مرات ومرات نجلس على طاولة جديدة فقد بليت الطاولة من كثرة الاجتماعات ، وهذه طاولة أخرى ، وأقلام جديدة ومستندات تؤيد القول الماضي أن الموظف هي سبب انحصار الخطوات .

جلست مرة في أحد أركان الطاولة .. ودارت لحظات لتتجرد الحقيقة دون إفصاح ، هناك من فوق ذاك المقعد الجديد ، والطاولة التي عكست إضاءة السقف والأقلام والأوراق .. فأعطت شكلا جمالياً لتلك الطاولة ، من هناك صاح الواقع أي الموظفون في هذا الوقت وذاك الزمان .. ودارت التساؤلات والحسابات والتحليلات لنجد أن الموظف الذي بدأ في موقع ما ولعدد من الأعوام أنه ما زال السبب في هذه الآلام ، ويعيد الموضوع نفسه منحصراً على مستو الموظف دون السماح للنظر إلى أعلى والتعرف على بؤرة الأسباب .. وندرك ونتجاهل أن الموظفين قد تبدلوا بنسبة كبيرة ، فهل كل موظفي الماضي منهم والحاضر وأيضا المستقبل هم السبب لهذا الدمار .

إن أبسط قواعد النظرية الإدارية تعرف المتغيرات الإدارية والفروق الفردية ، ولا بد أن يكون لها نصيب جيد من علم الأفراد ليكون هذا العلم متمشياً مع السنوات التي مضى بها الموظفون في هذا المجال .. فكيف بالموظفين الذين تبادلوا المواقع أو صعد البعض منهم بالارتقاء وتغير آخرون لأسباب قدرية أو لمتغيرات الحياة ومتطلباتها ، لقد أدركنا في موقع الاجتماع أن الموظفين العاملين في حاضرنا ليس هم الذين اجتمعنا من أجلهم ، ومع هذه الحقيقة فما زالت النقمة في إسقاط الفشل على هؤلاء الضعفاء .. مسكين ذاك الموظف الذي غادر المكان ولا يزال يلحقه الدمار ، ومسكين موظف اليوم الذي لا ذنب له ويلحقه عار الزمان .. إننا وبحقائق غير مخفية لقواعد إدارية بسيطة ونعرف أن المتهمين قد بدلتهم الأيام ، وإن الأسباب التي تعلقنا بها باتت برائحة المكان وقد تعودت عليها أنوفنا فلا يحس برائحتها إلا الغريب عن هذا المكان أو الذي يستطيع أن يضع القرار ويلغى ما كان من قرار ، عندها سوف يموت هذا الاتهام بلا قضية إلا مرض الإسقاط والتجول داخل كيف نرمي الآخرين بالإحباط .. دعونا نتحرى الأسباب الحقيقية من الأعلى . ويبدأ المديرين بأنفسهم إدارة عليا ووسطى وسوف نجد الأسباب وإنها لواضحة جلية ، حتى وإن غابت داخل نفوسنا وجيوبنا لنسأل الآخرين بصدق وإخلاص ، بعدها نأخذ الخطوة الأولي لمن يعملون معنا حتى نصل لموظف المواجهة ونقف عنده باستحياء ونمد له يد العون ، فإذا كان الموظف يحصل على راتبه أمام هذا العطاء . فإن بقاء المديرين في مواقعهم سببه هذا الموظف الذي تحمل الإسقاط في الإهمال والأخطاء لسياسة الإدارة التي لم تبن على حقائق موضوعية .. تحسسوا من حولكم وماذا يدار في مكاتبكم ، فداخله أناس لعبوا بالأهواء وغابت عنكم المعاني ولم تجدوا إلا الكلمات .. تأملوا لتشاهدوا وتقرروا أن الموظف على حق أمام إدارته ، وإن الإدارة هي التي تقف بالأبواب لتوصدها أمام النسمة والعطاء ليبرئ ساحتها الإسقاط .

تحيـاتـي